للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الجارم الشاعر]

الأستاذ عبد الجواد سليمان

(الوفاء في شعره)

في شعر الجارم ركن من الأركان العامرة يكاد يجزم كل من قرأ شعره في أجزاء من ديوانه الأربعة، وتتبعه في كل ما أذاعه أو نشرته له الصحف في أواخر أيامه أنه أكثر الشعراء المحدثين نظما في هذا الميدان، ذلكم هو (شعر الوفاء) والوفاء صفة إنسانية تجيش بها العاطفة اليقظة التي تهيم بحب من أحبت. وقد كان مظهر هذه الصفة في شعر الجارم وفاؤه لمليكه، والوفاء للملوك ولاء، وولاء شاعرنا هو ذوب نفسه المؤمنة وعصارة وجدانه الصادق، سجله في عشرات القصائد ومئات الأبيات في شتى المناسبات الملكية السعيدة. ثم وفاؤه لوطنه الصغير مصر ووطنه الأكبر الشرق، ثم وفاؤه لأصدقائه من شعراء وعلماء وعظماء وأساتذة يحييهم عن حب وتقدير أحياء، ويظل حافظا لودهم باقيا على عهدهم فيرثيهم بعد مماتهم رثاء يترجم عما ينطوي عليه قلبه لهم من حب ومودة وإخلاص؛ هذا إلى وفائه لمعاهده التي ورد فيها موارد الثقافة والمعارف يشيد بفضلها وينوه بذكرها ولا يتنكر لها؛ للغته ينافح عنها ولدينه يذود عنه.

وسنقصر هذه الكلمة على النوع الأول من الوفاء (والوفاء بمعنى الولاء) الذي آثر به الجارم الجالسين على عرش مصر فأدى لهم ديناً في جيده من شعر يبقى على الدهر خالداً توقعه قيثارة الولاء وتهتف به ألحان الخلود.

لم تفت الجارم مناسبة ملكية أو عيد من الأعياد (المصرية) إلا قيد لها أوابد فكره وتغنى فيها ببيان عذب وسحر مبين. وكيف يفوت الجارم شيء من ذلك وقد غمره مليكه بفيض من إحسانه فقربه منه، وأصغى إلى شعره ينشده بين يديه، وأغدق عليه فضله وأسبغ عليه إنعامه؟

ففي قصيدة له سماها (التاحية الكبرى) قالها بمناسبة تولي الفاروق سلطته الدستورية يصف الجارم هذا اليوم التاريخي العظيم، فيجعله متوجاً على الأيام حتى إن الأيام التي سبقته في الوجود لتأسف على تقدمها عليه، ويود كل يوم منها لو حالفها حسن الطالع فتأخر ظهوره قليلا ليحظى بالشرف الذي ناله هذا اليوم؛ ثم تغبطه الأيام بعده فيتمنى كل منهما لو سعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>