الشعر وحي وفيض وإلهام، وهو إذا ما صدر عن عاطفة مشبوبة صادقة، فن لا أثر للإرادة فيه، أو أثرها فيه أضعف من تأثير التلقي والطواعية والاستمداد من أغوار النفس واللاشعور.
وقد نسب العرب كل أمر عجيب إلى الجن، وتخيلوا أن عبقر واديهم ومقامهم، وقالوا في الأمر العظيم عبقري، فلا عجب أن يصلوا الشعر بالجن، ولا عجب أن يتخيلوا أن لكل شاعر شيطاناً يلهمه القريض ولكن للشعر شيطانين: أحدهما مجيد واسمه الهوبر، والآخر مفسد واسمه الهوجل، وكانت عقيدتهم هذه معلومة في العصر الإسلامي، فقد روى أن رجلا من تميم أتى الفرزدق وقال له: إني قد قلت شعراً فاسمعه قال: أنشدني فقال:
ومنهم عمر المحمود نائله ... كأنما رأسه طين الخواتيم
فضحك الفرزدق، ثم قال: يا ابن أخي إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر فسد شعره، وقد اجتمعا لك في هذا البيت، فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت.
وقد سمى الشعر رقى الشياطين، قال جرير:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقياً
وقال آخر:
ماذا يظن بسلمى إذ يُلمُّ بها ... مُرَجَّل الرأس ذو بُردَين وضَّاح
خزٌّ عمامته حلوٌ فكاهته ... في كفه من رقى الشيطان مفتاح
وصرح كثير منهم في العصر الجاهلي وفيما بعده بأن شياطينهم تلهمهم أفانين القول، قال الراجز: