للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كثيرون وأما البناءون فقلائل. ودعاة الفوضى لا يحصى لهم عدد؛ أما الإيجابي فطريقه طريق الحياة ولو جاءت الحياة من طريق التدمير.

في النهضة المنبعثة عن الحياة النابضة انطلاق وثاب ونفس ضاقت بما فيها فانفجرت في قوة مكتسحة بناءة تتجه نحو الخير والجمال، وتدوس في سبيل بلوغها بقايا الفساد القائمة. شتان بين من يهدم ليهدم وبين من يهدم ليبني، ففي أحشاء الأول فناء وفي أحشاء الثاني حياة وارتقاء. يثور الأول ليحطم، فلن يلبث أن يبتلع نفسه. أما الساعي للبناء ففي أحشائه امتلاء دفاق، فيعطي عطاء سخيا، ولا تكون الحياة إلا حيث يكون العطاء.

في انطلاق البراكين مواد هامة لبناء القشرة الأرضية، حتى أن دورة الماء لا تقف عند سطح الأرض، بل ثبت أن الحياة الاندفاعية الباطنية لتشترك في الدورة المائية، وفي الأحقاب التي كان فيها اندفاع البراكين على أشده كانت المياه أشد غزارة. في اندفاع الينابيع الفوارة ارتواء للأرض وللكائنات الحية على سطحها، وفي الفيضانات الطاغية سماد لها لتزداد قوة الإنبات فيها، رغم ما تجره تلك السيول الطاغية على الحقول والبساتين والمنازل من الأضرار والتخريب. حتى أن في الزلازل المخيفة فائدة في تكييف شكل الأرض.

إن في النهضات الاجتماعية أيضاً والثورات الفكرية أضراراً جزئية لا يخلو منها انقلاب من الانقلابات، ولكن الحوادث تتراءى لنا عكرة إذا نظرنا إليها بمنظار أنانيتنا، أما إذا نظرنا إليها بمنظار المصلحة العامة والخير الشامل، عند ذلك يتلاشى من نفوسنا حب الذات والأثرة وندرك أموراً خافية عنا.

قد يكون في النور الشديد الظل المديد، وجذر الانقلاب العميق هو في النفس، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

(بغداد)

محمد يحيى الهاشمي

<<  <  ج:
ص:  >  >>