للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الاجتماع اللغوي]

نشأة مراكز اللغة

للدكتور علي عبد الواحد وافي

يمتاز الإنسان بصدد التعبير عن بقية الفصائل الحيوانية بأمرين: أحدهما اللغة الصوتية، وثانيهما المراكز المخية التي تشرف على مختلف مظاهر هذه اللغة (مركز إصدار الألفاظ، مركز حفظ الكلمات المسموعة، مركز الكلمات المرئية. . . الخ) فقد ثبت أن هذه المراكز ليس لها نظير في مخ أية فصيلة حيوانية أخرى حتى الفصائل العليا من القردة نفسها

فالبحث في نشأة اللغة يتطلب إذن دراسة موضوعين اثنين: أولهما نشأة الكلام في الفصيلة الإنسانية؛ وثانيهما نشأة مراكز اللغة في المخ الإنساني

وقد درسنا أول هذين الموضوعين في المقال السابق، وسنعالج ثانيهما في هذا المقال

اختلف الباحثون اختلافاً كبيراً في نشأة مراكز اللغة في الفصيلة الإنسانية

فالقائلون باستقلال النوع الإنساني في نشأته عن الأنواع الحيوانية الأخرى يذهبون إلى أنه قد خلق مزوداً بهذه المراكز كما خلق مزوداً بخصائصه الأخرى كاعتدال القامة وإدراك المعاني الكلية. . . وما إلى ذلك. ويرون أن هذه المراكز كانت في مبدأ الخلق ساذجة قاصرة؛ ثم ارتقت في بعض الشعوب حتى وصلت إلى درجة كبيرة في الدقة والنضج؛ على حين أنها جمدت في شعوب أخرى فلم تتزحزح كثيراً عن الحالة الساذجة التي خلقت عليها. ويرجع الفضل في ارتقائها إلى عوامل كثيرة منها كثرة استخدامها في وظائفها وما تمرن عليه من عادات مكتسبة واتساع الحضارة الإنسانية وارتقاء التفكير. . . وهلم جرا. فشأن مراكز اللغة في ذلك شأن أعضاء الحس وأعضاء الحركة في الجسم الإنساني: تخلق مزودة بالقدرة على القيام بوظائفها، وتظل قابلة للارتقاء في هذه الناحية ما أتيحت لها الوسائل المواتية، فإن لم يتح لها ذلك قصرت عن القيام بوظائفها أو جمدت على الحالة التي كانت عليها في نشأتها الأولى

وأما القائلون بمذهب الارتقاء وتفرع الإنسان عن غيره من الفصائل الحيوانية، فيرون أن الفضل في نشأة هذه المراكز عند الإنسان يرجع إلى الظروف التي أحاطت به في مبدأ نشأته، وإلى الأمور التي ألجأته إليها مقتضيات حياته، وبخاصة ما يتصل منها بشؤون

<<  <  ج:
ص:  >  >>