فالمسألة إذن مفروغ منها، والأمر فيها بين واضح، وأساسها المصلحة التي جعلها الله أساساً لكل شئ!
ولقد جنى على الشريعة الإسلامية حملتها في بعض ما مضى من الزمان، فأظهروها للناس بمظهر الشريعة الجامدة في أحكامها، التي يضيق صدرها بما يحدث للناس من نظم، أو يرون الأخذ به من أسباب، ولم يحاولوا أن يدرسوا هذه النظم والأسباب ليتبينوا أمرهما، فإن وجدوا خيراً وصلاحاً فإن الله لا يأبى الخير والصلاح، ولا بد أن يكون في الشريعة السمحة منفذ إليهما، وإن كانت الأخرى أنذروا قومهم، وأقنعوهم بالضرر فيما هم عليه مقبلون، أو به آخذون
لم يفعلوا ذلك ولكنهم اكتفوا بالصياح والشغب على الناس وتنكبوا طريق أهل العلم في الإقناع أو الاقتناع، والشغبُ والصياح لا يجديان شيئاً في قضايا العلم، ولا يصلحان أداة له في هذا الزمان!
على الأزهر الحديث إذن أن يرأب ما أثأت يد الغفلات إذا أراد أن ينظر الناس إلى الفقه فيما يأخذون به من تشريع، ويسنون من قانون
على الأزهر الحديث أن يلبي مطالب الزمن، وأن يعرف مواضع الحاجة القومية فيجتهد في وضع حلول من الفقه الواضح الجيد لهذه المشاكل التي تعرض للناس في حياتهم الاجتماعية: في بيوتهم، وتجارتهم، واقتصادهم، وقضائهم، وعقوباتهم!
عليه أن ينظر فيما جد من الأقضية والأحداث والنظم، فيعرض كل ذلك على الفقه ليعرف الوجوه التي كانت بها مخالفة له، والوجوه التي يمكن بها أن توافقه أو يقنع الناس بأنها أشياء في غيرها غنى عنها وعوض منها
وهانحن أولاء نشهد طلائع على يد طائفة من مفكري الأزهر وبقيادة شيخه المصلح العظيم
ولن يمضي زمان طويل حتى يكثر فينا هذا الصنف من الفقهاء، المنتجين المجددين، وحتى يسحب الزمان ذيل العفاء على (فقهاء بيزنطة) الجامدين!