للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الديمقراطية]

تساوي الفرص لا تساوي الأنصبة

للأستاذ أديب عباسي

ليس بين مسائل الاجتماع ما يسيء جمهور الناس فهمه ويخطئون دلالته كما يسيئون معنى الديمقراطية الصحيح في مختلف مناحيها ونواحي تطبيقها على شؤون الحياة الاجتماع. فهي في رأي قوم تحلل من قيود الاجتماع وخروج على كل عرف وعادة؛ وعند قوم غيرهم هي قسمة عادلة وملك مشاع لكل ما بيد الناس من متاع تالد ومال طريف؛ وعند فئة أخرى لا يكاد يعدو معنى الديمقراطية نطاق السياسة ومجال الحكومة، بل هذا المعنى الأخير للديمقراطية يكاد اليوم يطغى على كل معنى سواه وذلك لكثرة ما يحمل محامل السياسة ويورد مواردها العديدة في هذه الأيام.

أما أن الديمقراطية بمعناها الأعم ودلالتها الأدق ليست على الحصر هذا ولا ذاك مما مر، فشيء يحتاج إلى بعض البسط والبيان؛ فليست الديمقراطية انطلاق النفوس على سجاياها فلا قيود تراعي ولا حدود تلتزم، ولا هي تعني تسليط النوكي والكسالى على جهد المجدين فينالون منه ويصيبون مثل ما يصيب المجد بالعرق الصبيب والجهد الدؤوب؛ ولا هي تحصر في نطاق السياسة الضيق وان وسعته الجرائد وضخمه الساسة ليست الديمقراطية بمعناها الأدق أمراً من هذه الأمور. وإنما هي بدلالتها الصحيحة ومعناها العام تيسير على الناس وتهيئة لهم ليقفوا من فرص الحياة المتاحة موقفا عادلا فيشتركوا شركة متساوية في هذه الفرص المتاحة لا في الأنصبة المحققة ونتائج الجهد المبذول.

وبعبارة أخرى تكون الديمقراطية ديمقراطية المثل الأعلى إذا انصرفت إلى تهيئة الأسباب وتيسير السبل التي تجعل كل فرد من أفراد الأمة ينال على قدر استعداده وكفايته من فرص النجاح ووسائل التوفيق. وإذا شبهنا الحياة بميدان للسباق فالديمقراطية الصحيحة أن ينطلق المتبارون من نقطة واحدة بعد أن يعدوا أعداداً عادلا لهذا السباق، لا أن يكبل البعض أو يحجز عن السباق أو يترك بلا أعداد ثم يحاسب على تخلفه ويلام على إبطائه!

وإذاً فالديمقراطية الصادقة هي ديمقراطية التيسير على الناس لإظهار كفاياتهم واقتدارهم الموهوب والمكسوب. وكل ما يؤدي إلى هذه النتيجة الأخيرة فهو في صميم الديمقراطية

<<  <  ج:
ص:  >  >>