نعود إلى الحديث عن بنك مصر مغتبطين كما يعود المطرب إلى تكرير لحنه، والمؤمن إلى ترديد صلاته! وهل كان بنك مصر وعيده في الأسبوع المنصرم إلا لحناً شدا على كل لسان، ودعاء صعد منك كل قلب؟ لقد جاء هذا العيد القومي كما توقعناه دليلاً على رشد هذه الأمة الكريمة: رَحَض عن سمعتها الأذى، ودَحضَ عن كفايتها التهم، وجلا عن نهضتها الشكوك، وبدّد عن مستقبلها السحب، وأعلن - في شاي الحديقة، وعشاء الكونتننتال، ومهرجان القاهرة، وحفلات الأقاليم، بلسان طلعت حرب باشا مدير البنك، وأحمد عبد الوهاب باشا وزير المالية والسِّر إدوارد كوك عميد سياسة الاقتصاد الإنجليزية، والمسيو هنري نوس ممثل رءوس الأموال الأجنبية - أن مصر التي غَلَّها العجز الاجتماعي حيناً من الدهر عن استعمال حقها واستغلال خيرها واستثمار غناها، قد أتاح لها بنك مصر وشركاته أن تشعر بالقوة التي كمنت فيها، وتفطن إلى القدرة التي ذهلت عنها؛ وتخرج من ذلة اليُتم والعُدم والقصور إلى عزة الرشد الوُجْد والأهلية
نعم كانت الأيام الثلاثة التي حفِلت بعيد بنك مصر مظاهرة قومية موفقة، شارك فيها قصر الملك، ودار المندوب، وجميع الأحزاب، وكافة الطبقات، وعامة الشعب، في الساعة التي رجعت فيها السياسة المصرية إلى ذبذبتها الأولى: تتحرك ولا تسير، وتتردد ولا تستقر، وتتصرف ولا تملك. وكان ابتهاج الأمة بها ابتهاجاً بحقها الذي يتخلص من الباطل، وفوزها الذي يتميز من الفشل، ونصرها الذي يتبرأ من الهزيمة!!
تستطيع أن تناقش وتعارض وتستريب إن زعم لك زاعم أن يقظتنا للعلم والأدب، والحرية والسياسة، بلغت الحس العالي المرهف، ولكنك أمام الأرقام التي قدمها إليك بالقول طلعت حرب، والمنتجات التي وضعها في يديك بالفعل طلعت حرب والمؤسسات التي عرضها عليك بالسينما طلعت حرب، تعتقد اعتقاداً رياضياً أن نهضتنا الاقتصادية يقين لا يخامره شك، وواقع لا تزخرفه مبالغة. وإن في تسميتنا هذه النهضة التي نهضها بنك مصر فحلَّت عن الأمة حبوة العجز، بالنهضة الاقتصادية، تسمية لها بالوصف الأشهر والأثر الأغلب. أما الواقع فإنها انتظمت مرافق البلد من كل نوع، وتناولت أمور الناس من كل جهة: أجدْت