قرأت في إحدى الجرائد أن وزارة المعارف عزمت على نقل الخزانة الزكية - مكتبة أحمد زكي باشا رحمه الله - من مكانها في قبة الغوري إلى دار الكتب العامة. ويرحم الله زكي باشا؛ لو كان حياً لصال بلسانه وقلمه، وملأ الدنيا حجاجاً، وشغل رجال الحكومة بزياراته وأحاديثه، ليدافع عن كتبه العزيزة عليه التي أنفق عمره في جمعها، وأقامها مقام الأولاد فمنحها فكره وقلبه، فيمنعها أن تنقل من مكانها الذي اختاره في قبة السلطان الغوري. وكان رحمه الله معجباً بالغوري إعجاباً طوى ما بينهما من عصور، فكان إذا تحدث عنه قال:(صديقي السلطان الغوري). لكن شيخ العروبة الذي كان نشاطاً لا يفتر، وحركة لا تسكن، وعملاً لا يمل؛ قد طواه الردى، فأصبحت (الخزانة الزكية) الخزانة اليتيمة
ومن قبل نقلت إلى دار الكتب الخزانة التيمورية التي جمعها من أقطار الأرض العلامة التقي النقي أحمد تيمور باشا رحمه الله وليست هذه سنة رشيدة؛ ليس سنة رشيدة أن تجمع الكتب في مكان واحد، وتحرم القاهرة المعزية إلا من مكتبة واحدة يزدحم فيها القراء من كل قبيل، ويلتقي فيها الباحث المدقق الذي يستقصي المخطوطات القديمة، والقارئ الذي يزجي وقته بقصة ملهية، ويفد إليها أهل القاهرة من المحلات الدانية والقاصية
لا بد لنا من مكتبة عامة جامعة كدار الكتب، ولكن لابد لنا معها من مكتبات خاصة كالخزانة التيمورية والخزانة الزكية، يقصدها الباحثون المنقبون، ويؤمها خاصة المطالعين، فيجدون مكاناً ساكناً يسكنون إليه ويتعارفون فيه، ثم تكون لكل مكتبة خصائص معروفة تجذب إليها صفاً من الباحثين؛ ولابد لنا، إلى هذه وهذه من مكتبات محلية، يستفيد منها أهل كل محلة في القاهرة، يجدونها قريبة إليهم، ويلفون كتبها ميسرة لهم
كان من سنن الحضارة الإسلامية الإكثار من خزائن الكتب الكبيرة والصغيرة في كل مدينة، وكان لكل مسجد كبير خزانة كتب، فكانت القراءة ميسورة لكل طالب في كل حي وفي كل مسجد، وليس يتسع المجال هنا للحديث عن خزائن الكتب في المدن الإسلامية القديمة في المشرق والمغرب فهو حديث طويل، وحسبك أن أبو تمام عوقه البرد في همذان