ظل الناس يتساءلون في جزع ولهفة وحيرة عن الشاعر الفرد الذي يخلف أمير الشعراء أو شاعر النيل بعد وفاة شوقي وحافظ بسنوات، وكانت هناك يومئذ أسماء لامعة تذكر في مجال التفضيل؛ ربما سر أحدهم أن يملأ فراغا شاغرا لسواه، وربما غضب بعضهم أن يكون بوقا لغيره ولو انعقد عليه الإجماع. . . من هذه الأسماء اللامعة: العقاد ومطران ومحرم والجارم.
وبينما كان الناس يختلفون فيما بينهم على هذه الأسماء وغيرها. كان هناك شبه إجماع على شاعر شاب، غنى الشباب بشعره الوجداني، فاتفقوا، أو اتفق أهل الفن منهم خاصة، على تسميته (شاعر الشباب).
أطلق لقب (شاعر الشباب) أول ما أطلق في مصر على الأستاذ أحمد رامي، وظل وحده يستمتع بهذا اللقب الجميل حينا من الدهر، ربما يربو على عشر سنين بكثير؛ حتى زحفت جموع الشعراء من كل صوب، وتعددت ألوان الشعر في كل مجال، وغمرت الصحف والمجلات والكتب والإذاعة موجة واسعة متدفقة جياشة بالشعر الجديد. فكان من العسير على شاعر غنائي واحد أن يثبت أمام هذه الجموع الزاحفة كالبنيان المرصوص.
وهال الناس هذا الموكب الضخم الفخم كأنه مهرجان رائع في ميدان فسيح يشق أجواز الفضاء بحناجر قوية وأوتار صاخبة وأبواق مدوية تكاد تصم الآذان؛ ولم يستطع الناس - أول الأمر - أن يميزوا بين هذه الوجوه المتلاحقة والصور المتتابعة في وسط الزحام؛ فسموهم جميعا (شعراء الشباب)!
في العشرين سنة الأخيرة أطلقت كلمة (شعراء الشباب) على أكثر من ثلاثين شاعرا، وما تزال تطلق على نحو عشرين شاعرا إلى الآن.
وإذا كان من العسير إحصاء أسماء جميع شعراء الشباب في مقال واحد - فمن السهل اليسير الإشارة إلى بعضهم على سبيل التمثيل؛ لا الحصر والتسجيل.
شاعران لا ثالث لهما اشرأبت إليهما الأعناق وتفردا بالشاعرية الخصبة والخيال الملهم والملكة الفنية التي تندر في كل زمان ومكان، بين أرباب البيان وأعلام الشعر الرفيع.