مما يأخذه بعض أصدقائنا الشعراء على زميلهم علي محمود طه الذي يُكبرهم ويعزهم ويعرف لكل منهم قدره حرصه على (تزويق!) دواوينه بهذه الصور الملونة وغير الملونة، وتلك الرسوم التي يوحيها إلى الفنان بيت أو أبيات من شعره فيمثل فيها فكرة أو خيالاً من أخيلة الشاعر المتمردة أو. . . المتجردة!
فأما ما يسمونه (تزويقاً) فأنا أعده تجنياً منهم على زميلهم، لأن إبراز مؤلفاتنا على هذا النسق الذي يربي أذواق القراء بما يمتزج فيه من خيال الشاعر ودقة الفنان، وما يتساند فيه من البيان الناصع وتأثير الألوان. . . هو عمل يسد فراغاً موحشاً في طباعتنا العربية، وكان الأولى أن نستزيد منه لا أن نصرف المؤلفين والفنانين عنه. إلا أن المغالاة في إبراز المعاني التي تجول في روع الشاعر والمبالغة في تصويرها على هذا النحو الذي صورت به في (أشباح وأرواح) مثلاً، هو الجدير بالملاحظة، وهو ما يجب التنبيه إلى خطره على نفوس الشباب الغصة، وقلوبهم الرطبة؛ فلقد كان الفن اليوناني فناً وثنياً، وكان الفنانون اليونانيون مع ذلك يحرصون على إبراز دقائق الجمال الجسماني من جميع نواحيه التي تتصل بفضائلهم المثالية متجنبين النواحي التي تغازل غرائز الإنسان الدنيا، والأوضاع التي تُلمع إلى مغازلة هذه الغرائز، وهاهي تماثيلهم وتصاويرهم على (الأمفورات) الشائقة والجرار الجميلة وأفاريز المعابد والدور العامة لا ترى بينها شيئاً يدني إلى مغازلة الغرائز الدنيا مطلقاً. . . بل هذا تمثال أفروديت ميلوس الذي ينبض كل عضو من أعضائه وكل عضلة من عضلاته بأسمى ألوان الجمال الحي، لا يملأ عين رائيه إلا بروعة الفضائل العليا للجمال الخالص، مع أن أفروديت في الميثولوجيا اليونانية - فينوس - هي ميدان العواطف الملتهبة والغرائز الجياشة، ومعظم الأساطير التي رويت عنها تمثل (العاصفة) في الحب الآثم؛ ومع ذلك لم يفكر فنان يوناني في نحت تمثال لربة الجمال والحب يودع فيه أسرار فينوس إلا رَمْزاً، ولم يحاول أحدهم كشف هذا الأسرار قط. جميل جداً أن يستعين الأدب بالفن وأن يستعين الفن بالأدب في أن يجلو أحدهما الآخر، وأن يُبرز أحدهما للآخر تلك الدقائق التي لا يغني في إبرازها التمثال أو الصورة إذا كان لا غناء عن القلم،