هذا الموضوع طرح على بساط البحث في هذه المجلة منذ أكثر من سنة، وتناقش فيه بعض الكتاب وتشعبت آرائهم فيه في نواحي مختلفة، وما استقرت على نظرية واحدة. واليوم عاد الأستاذ عبد العزيز محمد الزكي يبسطه ثانية عارضا فيه نظرية طاغور الهندوكي. وهي على حد قوله حجر الزاوية في الديانة الهندوكية كالتوحيد في الإسلام (والنصرانية أيضا).
وقد أفاض الأستاذ عبد العزيز في الموضوع في ستة أعمدة من المجلة، ولكنه بكل أسف لم يعرفنا المقصود من (وحدة الوجود). ومعظم ما ورد في مقاله مبهم قلما يستقر الذهن فيه على معنى.
والذي فهمناه من الوجود إن للفلاسفة فيه قولين: وحدانية الوجود وثنائية الوجود ? أما وحدانية الوجود فقد وضحت في فلسفة اسبينوزا وفحواها إن الكون كل واحد، وان كان مكونا من أجزاء، وانه يشمل، أو بالأحرى إن الله يشملهم. وبحسب هذه الفلسفة يكون الله موجودا في كل جزء من الكون، أو إن كل جزء من الكون يعبر عن الله. وبهذا الاعتبار فالله موجود في كل مكان.
وكذلك العقل الذي يدرك الكون (عقل الله مثلا وعقل الإنسان المنبثق من عقل الله بحسب فلسفة المطران بركلي) هو جزء من الكون لا ينفصل عنه والكون لا يوجد بدونه، فإذا لم يكن العقل موجود فالكون لا وجود له، وأن زعمنا إن الكون موجود على كل حال، فبأي عقل يوجد؟ وأي عقل يدركه؟ ما لا يوجد في الإدراك أو في عقل مدرك، فلا وجود له
أما ثنائية الوجود، فقد وضحت في معظم فلسفة الفلاسفة، وهي أن الكون موجود منفصل عن الله وعن العقل الذي يدركه؛ مرتبتان أي الكون المادي هو الكون العقلي، والمقصود بالكون العقلي الله وما أنبثق منه من العقول. وبهذا المعنى يكون الله ذاتية قائمة بذاتها مستقلة عن الكون المادي، وإنما هو بحسب رأي اللاهوانيين حال في كل ذرى من مواد الكون المادي، ولكنه ليس منه البتة
فإذا للوجود كونان: كون مادي وكون عقلي أو روحي، وهذا ليس من ذاك بل هو يدركه.