للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة حياة]

الاعتراف بالعيوب

للأستاذ محمد خليفة التونسي

من العيوب ما يدل الاعتراف به عند الضرورة على شجاعة صاحبه ومعرفته الصادقة بنفسه، ومنها ما يكون إظهاره ضرباً من ضروب القحة، ومظهراً من مظاهر الاستهتار، ولا ضرورة تلجئ الإنسان إلى الاعتراف بهذه العيوب.

والنوع الأول متصل غالباً بطبيعة الإنسان، والنوع الثاني متصل بوقائعه التي سقط فيها وآثامه التي ارتكبها.

وحسب الإنسان بلاء أن يعرف الناس من ضعفه ما لا يقدر على إخفاءه، وألا يزيدهم من كشف عوراته وتقديم الشواهد التي لم يروها حتى أراهم إياها، ولم يطلعوا عليها حتى حدثهم بها.

من المفيد لمن يحاول إصلاح نفسه أن يعرف عيوبها ليسهل عليه علاجها، ومن العبر المفيدة للناس أن يروا أمامهم إنساناً ذا نقائص استطاع أن يبرئ نفسه منها، أو تفوق في حياته عليها ونجح معها، فإن هذه العبر تبعث فيهم التفاؤل فتبعثهم على البحث عن نقائصهم وطلب السلامة منها ومحاولة علاجها بطريقة هذا الإنسان أو بطريقة أخرى تلائمهم.

على أن من القحة والاستهتار، والتمادي في التهتك والفجور أن يذكر الإنسان نقائصه وخطاياه في معرض المباهاة والفخار، أو حباً فيما يسمى الصراحة، بينما هو لا يقصد من وراء ذكرها التغلب عليها، والكشف عن عواقبها الوخيمة، وأن تكون عبرة له أو عبرة لغيره.

وما نفع الناس من أن يعترف لهم إنسان بعيوبه دون مطمع إلا أن يصفوه بالصراحة أو الشجاعة أو الإنصاف ونحو ذلك بينما هو في مأمن منهم مهما صلحت الأحوال بينهم وبينه، إذ لا موثق له ببقائها على صلاحها، فهو - حين يعترف لهم بعيوبه - يكشف عن مقاتله لمن لا يستحيل ولا يستبعد أن يناصبوه العداوة والكيد.

ربما كان أقل ما يبتلى منهم أن يقابلوه بالاشمئزاز والاحتقار، وندر أن يكون فيهم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>