في العراق رجال كرسوا حياتهم لخدمة العلم والأدب، وضحوا في سبيل هذه الخدمات كل رخيص وغال، فدرسوا وحققوا ودققوا ونشروا ما كتبوه، وألفوا الرسائل والكتب وطبعوها على نفقاتهم الخاصة، ولكن ويا للأسف لم يجدوا تشجيعا يكفل لهم ولو جزءا قليلا مما يبذلونه بسخاء في هذا السبيل، وأن من أولئك الأفذاذ الأستاذ المحامي عباس العزاوي الذي أخرج لنا مؤخرا من نتاج عمله المضني المستمر كتابا في الموسيقى العراقية في عهد المغول والتركمان ١٢٥٨هـ ١٥٣٤م تناول فيهما التطورات التي طرأت على الموسيقى العربية قبل الإسلام، والموسيقى العربية في عهد المغول والتركمان، ثم تطرق من هذه الرسالة إلى من اشتهر في الموسيقى من نوابغ وترجم لهم وذكر ما صنفوه في هذا الفن من رسائل وكتب، وذكر الموسيقاريين والمغنين، وتناول الآلات الموسيقية وأسماءها وأسباب تسميتها، وما اندثر منها وما بقي حتى الآن، وفصل المصطلحات الموسيقية سابقا وقارنها في العهد الحاضر، وختم رسالته هذه بأن نشر للأمة رسائل منها كتاب الملاهي وأسماءها لمؤلفه أبي طالب المفضل بن مسلمة النحوي، اللغوي، المتوفى سنة ٢٩٠هـ. والذي تناول فيه إثبات معرفة العرب (للعود) والآلات الموسيقية الأخرى وساق الأدلة القوية والبراهين الثابتة على ذلك. والرسالة الثانية نبذة من اللهو والملاهي لابن خرداذبة المتوفى سنة ٣٠٠هـ نقلها من تاريخ مروج الذهب للمسعودي تناول فيها أيضاً إثبات كون العرب تعرف العود وبقية الآلات الموسيقية.
والرسالة الثالثة، أرجوزة الأنغام لبدر الدين محمد بن علي الخطيب الأربلي، المتوفى سنة ٧٦٨هـ، وقد نظمها سنة ١٣٢٨م وفيها ذكر معرفة أصول الأنغام، والمناسبة بين الأصول والأركان والأخلاط، وأبحر الأنغام الأصولية الأربعة والأبحر الثمانية المتفرعة عن الأصول الأربعة وكيفية ترتيب الأنغام الأثنى عشر، وذكر الأوزان الستة والشواذ، والأنغام الزوائد وتأثير الأنغام في الأمزجة من الأخلاق، وبيان الضروب السبعة ووجوب مراعاتها.
والحاصل أن الأستاذ العزاوي - وفقه الله - قد قام بهذه الخدمة الجليلة للأمة العربية، إضافة إلى خدماته الكثيرة التي سبقت له في التحقيق والتنقيب والتأليف والنشر. وسنفرد