للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[درس من النبوة]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

قالوا: إنه لما نصر الله تعالى رسوله وردَّ عنه الأحزاب وفتح عليه قريظة والنضير ظن أزواجه صلى الله عليه وسلم أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم وكن تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسَوْدة، وأم سلمة، وصفية، وميمونة، وزينب وجُوَيْرية، فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله، بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق. وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم؛ فأمره الله تعالى أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن من تخيرهن في فراقه، وذلك قوله تعالى: (يا أيها النبيُّ قل لأزواجك إن كنتن تُردن الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسرَّحْكن سَراحاً جميلا. وإن كنتن تردن اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ فإن الله أعدَّ للمحسِنات منكن أجراً عظيما)

قالوا: وبدأ صلى الله عليه وسلم بعائشة (وهي أحبهن إليه) فقال لها: إني ذاكر لك أمراً ما أُحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك. قالت: ما هو؟ فتلا عليها الآية. قالت: أفيك أستأمر أبويَّ؟ بل أختار الله تعالى ورسوله

ثم تتابعن كلهن على ذلك، فسماهن الله (أمَّهات المؤمنين) تعظيما لحقهن وتأكيداً لحرمتهن وتفضيلاً لهن على سائر النساء

هذه هي القصة كما تقرأ في التاريخ وكما ظهرت في الزمان والمكان، فلنقرأها نحن كما هي في معاني الحكمة، وكما ظهرت في الإنسانية العالية، فسنجد لها غورا بعيداً ونعرف فيها دلالة سامية، ونتبين تحقيقاً فلسفياً دقيقاً للأوهام والحقائق. وهي قبل كل هذا ومع كل هذا تنطوي على حكمة رائعة لم ينتبه لها أحد، ومن أجلها ذكرت في القرآن الكريم، لتكون نصا تاريخياً قاطعاً يدافع به التاريخ عن هذا النبي العظيم في أمر من أمر العقل والغريزة؛ فإن جهلة المبشرين في زمننا هذا وكثيراً من أهل الزيغ والإلحاد وطائفةً من قصار النظر في التحقيق يزعمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما استكثر من النساء لأهواء نفسية محضة وشهوات كالشهوات؛ ويتطرقون من هذا الزعم إلى الشبهة، ومن الشبهة إلى سواء الظن، ومن سوء الظن إلى قبح الرأي، وكلهم غبي جاهل؛ فلو كان الأمر على ذلك أو على

<<  <  ج:
ص:  >  >>