للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان في الرجال أبوها له؛ يبذل له ماله، وما المال في ذلك كله؟ وأي شيء أربعون ألف درهم خرج من دنياه لا يعرف منها مكان درهم؟ يلازمه في حربه وسلمه، وصحته ومرضه، حتى تأذن الله له بالنصر، وأتم الرسول عليه السلام ما ندب له من حادث في مسير الدنيا، ومستقبل الكون، فإذا ذلك كله في التاريخ يعرف يد تلك الصداقة

- ٧ -

وخرج الرسول عليه السلام من دنياه، فتصدع الأساس، وانشعب الأمر؛ ارتدت الجزيرة، واضطرب الباقون في قمع الخارجين. . . لكن الصديق النبيل الجليل قائم، يصل من وراء القبر روح صديقه، ويحسه قائماً إلى جانبه، فإذا هو جيش وحده، وإذا هو أمة وحده، وإذا هو الإسلام كله حين يقول لهم جميعاً: أيها الناس! لو أفردت من جمعكم لجاهدتهم في الله حق جهاده، حتى أبلغ من نفسي عذرا أو مقتلاً. . . فسارع الكل وظفر الإسلام

قرت الدولة، وانبسط السلطان، وأينعت الحضارة، وسعدت الإنسانية، وشهد التاريخ، فإذا ذلك كله يعرف ولا غرو دين تلك الصداقة

- ٨ -

بني الشرق! إن السيوف قد استحالت في أيدينا خشبا، والمدافع قد أمست مواقيت للطعام وتلاهي للأعياد، والجو من فوقنا، والأرض من تحتنا، والبحر من حولنا، ليس من ذلك شيء لنا، لكنا ولا غرو نحتاز نفوسا، ونملك قلوباً موصولة السبب بتلك القلوب، فلو عرفت الإيمان لعشقت المجد، ولو أحست الوفاء لنالت أسباب السماء، ولو وجدت مس تلك الصداقة لنصرت دينا، وبنت دولة، ودانت التاريخ. . .

فهل تذكرون؟

أمين الخولي

<<  <  ج:
ص:  >  >>