ونرجع إلى ذكر إسحاق ابن إبراهيم، ونورد طَرَفاً من أخباره في حزمه وضبطه بقدر ما يليق بالكتاب
أسحق هذا هو ابن طاهر بن الحسين، ويكنى أبا الحسين، وكان المأمون اصطنعه وولاه خلافة عبد الله بن طاهر بحضرته لما أخرج عبد الله إلى خرا سان. وكان أشد الناس تقدماً عنده واختصاصاً به. فذكر عبد الله بن خرداذَ أنه حضر مجلس المأمون يوماً وقد عرض عليه أحمد بن أبي خالد رقاعاً فيها رقعة قوم متظلمين من إسحاق بن إبراهيم؛ فلما قرأها المأمون أخذ القلم وكتب على ظهرها:(ما في هؤلاء الأوباش إلا كل طاعن واش. إسحاق غرسُ يدي، ومَن غرستُه أنجب ولم يخلف، لا أعدي عبيه أحداً.) ثم كتب إلى إسحاق رقعة فيها: (من مؤدب مشفق إلى حصيف متأدب. يا بني! من عز تواضع، ومن قدر عفا، ومن راعى أنصف، ومن راقب حذر، وعاقبة الدالة غير محمودة، والمؤمن كيّس فَطِن والسلام.)
وذكروا أن بعض ولد الرشيد - وكان له موضع من النسب ومكان في المعرفة والأدب - مرض ببغداد مرضاً طال، ولم يقدر على الركوب، واشتهى التفرج والتنزه في الماء، فأراد أن يبني زلاَّلا يجلس فيه فمنعه إسحاق وقال:
(هذا شئ لا نحب أن يعمل مثله إلا بأمر أمير المؤمنين) فكتب إلى المعتصم يستأذنه في ذلك، فخرج الأمر إلى إسحاق بإطلاقه له. فكتب إسحاق (ورد عليّ كتاب من أمير المؤمنين بإطلاق بناء زلاَّل لم يحد لي طوله ولا عرضه، فوقفت أمره إلى أن أستطلع الرأي في ذلك. . .) فكتب إليه يحمده على احتياطه ويحد له ذرع الزلاّل
قال أبو البرق الشاعر: كان إسحاق يجري على أرزاقاً. فأنشدته يوماً؛ فسألني عن عيالي وما أحتاج إليه لهم. ثم قال لي: يحتاج عيالك في كل شهر من الدقيق كذا، ومن كذا كذا. . . فما زال يخبرني بشيء من أمر منزلي كثير جهلته وعلمه هو
وذكر أبو حشيشة الطنبوري قال: كنت يوماً في منزلي إذ طَرَق البابَ صاحبُ بريد وقال أجِبْ. فلما قال: أجِبْ علمتُ أنه أمرٌ عال. فلبست ثيابي ومضيتُ معه حتى دخلنا دار