للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الضمير]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور مدرس الفلسفة بكلية الآداب

غامض في لفظه غموضه في معناه، ومستتر رغم ما يبرز من آثار؛ هو أقرب الأشياء منا والزمها لنا، بل يكاد كل شيء فينا: (والمرء بأصغريه قلبه ولسانه) بيد أنا إن حاولنا توضيحه توارى بالحجاب وأمعن في الاستتار والخفاء. نؤمن بوجوده دون أن نراه أو نفهم في وضوح حقيقته؛ وكيف ننكره وفي إنكاره إنكار لأنفسنا وهدم الدعامة الأولى من دعائم شخصيتنا؟ يأمر فيطاع، وينهى فيستمع له، ويسر ويحزن، ويخالط عواطفنا وأحوالنا النفسية على اختلافها؛ يعقد محكمته في أسرع من لمح البصر، ويصدر أحكاماً غير قابلة للنقض والإبرام. لذلك اتجه إليه الواعظ في وعظه؛ وناداه رجل الدين في نصحه، وجعله الأخلاقي أساساً لدرسه، وتولاه عالم النفس بالبحث والتحليل

يغلب على الظن أن العرب لم يستعملوا كلمة (ضمير) بمعناها الخلقي والنفسي الذي اصطلحنا عليه الآن؛ فانهم أطلقوها على القلب والباطن والسريرة فحسب. وهذا المعنى، وإن كان يقرب من العرف الحاضر، متميز منه تمام التميز. وفلاسفة الإسلام ومتصوفوه، برغم تحليلهم الدقيق لبعض العواطف النفسية كالعشق والشوق والندم والتوبة لم تجر كلمة (ضمير) على لسانهم إلا في دوائر تختلف كثيراً عما نحن فيه، ويظهر أن العرب قد استعاضوا عن هذه الكلمة بلفظ (زاجر) التي تؤدي معناها بعض الأداء: (من لم يكن له من نفسه زاجر، لا تنفعه الزواجر) فكلمة (ضمير) بمدلولها الفلسفي وضع حديث واستعمال يرجع به العهد فيما نعتقد، إلى أخريات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حين بدئ في ترجمة كلمة الأجنبية؛ وهذه الترجمة - وإن تكن صادقة في جملتها - مثار غموض واشتباه؛ لأنها تعبر عن الضمير الخلقي والنفسي بلفظ واحد. إلا أن اللغة الفرنسية وقعت في هذا الغموض من قبل واستعملت لفظاً مشتركاً للدلالة على الضمير من حيث مظاهره الخلقية وأحواله النفسية. وقد تنبه الألمان والإنجليز إلى هذا فخصوا الضمير النفسي بلفظ يميزه من الضمير الخلقي، وأصبح لعالم النفس كلمة يدل بها على الضمير غير تلك التي يستعملها الأخلاقي وما أجدر كل اصطلاح بأن يوضع له لفظ خاص يناسبه؛ غير أنه لا يفوتنا أن نلاحظ أن هذه التفرقة اللفظية إنما يراد بها فقط فصل العلوم بعضها

<<  <  ج:
ص:  >  >>