عن بعض وقصر كل فن على مصطلحات معينة.، وإلا فالواقع يشهد أن الضمير الخلقي هو الضمير النفسي ملحوظاً فيه معنى الخير والشر. فليس في الإنسان ضميران يفصل أحدهما في الأحكام الخلقية ويتولى الآخر الأحوال النفسية. لكل منا ضمير واحد قد تتنوع أسماؤه بتنوع مظاهره ووظائفه
لم يعن الإغريق بموضوع الضمير ولم يدرسوه الدراسة اللائقة به لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية النفسية، ذلك لأن الأخلاق كانت تعتمد عند فلاسفتهم الأُوَل على أساس اجتماعي. فأفلاطون كان يتعزى عن شقاء الأفراد بما كان يرجو من سعادة الجمعية؛ وارسطو لا يكاد يفصل الحياة الخلقية من الحياة السياسية. نعم أن الأبيقوريين والرواقيين قد نحوا بالأخلاق منحى فرديا، وحاولوا أن يؤسسوا سعادة الفرد على الفرد نفسه؛ ولكنهم ذوو نزعة مادية تتنافى مع التحليل الروحي للضمير. ومن الناحية السيكولوجية نلاحظ أنه فات الإغريق، بل القدامى عامة أن يتميزوا وحجة الظواهر النفسية، التي هي أثر من آثار الضمير. وإن من جهل هذه الوحدة أو قال بنظريات تناقضها لا يستطيع أن يفهم الضمير على وجهه الصحيح. وفوق هذا فانهم كانوا يخلطون بين الضمير وبعض الأحوال النفسية؛ فأفلاطون مثلاً لا يفرق بينه وبين المعرفة، وأصحاب الرواق يطلقونه على معرفة الحق والباطل. وقد بقي أمر الضمير مهملاً إلى أن جاء صوفية القرون الوسطى من مسيحيين ومسلمين فأعاروه جانباً من العناية والدرس. والتصوف، وهو علم القلوب، لا يمكنه أن يغفل مشكلة الضمير وينسى ركناً تقوم عليه المناجاة الروحية. لذلك نسمع رجلاً كأبيلارد بين المسيحيين يحدثنا عن الضمير وأثره في الأعمال الخلقية؛ كما نرى الغزالي مثلاً بين المسلمين يشرح مراقبة النفس وقوة المحاسبة التي يمكن أن تنطبق على الضمير بمعناه الحديث. غير أن هذه المحاولات في جملتها محدودة وجزئية. وإلى رجال العصور الحديثة يرجع الفضل في شرح موضوع الضمير ومنحنه ما يتطلب من عناية ومجهود. وتكاد تكون المدرسة الأيقوسية أول من تنبه إلى هذا الجانب الهام من النفس والى أثره في الأخلاق. ثم تبعتها مدارس أخرى اعتنقت رأيها أو ردت عليها، إلى أن جاء وليم جيمس وبرجسون فدرسا الضمير دراسة نفسية قضت على كثير من النظريات القديمة، وغيرت مجرى التفكير في علم النفس إلى حد كبير. ولم يفت الاجتماعيين المعاصرين أن يعرضوا