في شهر يولية سنة ١٩٢٨ تلقيت وأنا في باريس خطاباً من الأستاذ الدكتور طه حسين بك جاءت فيه عبارة:(أحمد الله إليك)؛ فالتفت ذهني إلى هذه العبارة، لأنها لم تكن من العبارات المألوفة في رسائله إليَّ، وقلت لنفسي: من أين وصل هذا التعبير إلى الدكتور طه حسين وهو في هذه الأيام يعيش في جيرار يير؟
وصح عندي بعد التأمل أن الدكتور طه قد يكن مشغولاً بمراجعات متصلة بالسيرة النبوية، لأن عبارة (أحمد الله إليك) تكثر في الرسائل المأثورة عن عصر النبوة وعصر الخلفاء
وبعد أعوام أخرج الدكتور طه كتابه (على هامش السيرة) وتفضل فأهداني نسخة ممهورة بعبارة كريمة من عبارات الإهداء، وكنت حينئذ أحرر الصفحة الأدبية بجريدة البلاغ، فرأيت أن أتحدث عنه إلى قرائي بعناية تحملهم على اقتناء ذلك الكتاب، تحقيقاً للتضامن بين المؤلفين
فماذا قلت؟ قلت: إن الدكتور طه يجيد أعظم الإجادة حين يتروى في التأليف، وكتابه الجديد أثرٌ من آثاره الجيدة في تروّيه، فهو مشغول بموضوعه منذ سنة ١٩٢٨، وإن لم يقل ذلك، فقد كتب إليَّ خطاباً في شهر يولية من تلك السنة يقول فيه:(أحمد الله إليك)، وقد فهمت من هذه العبارة أنه كان مشغولاً بدراسات متصلة بالسيرة النبوية، وكذلك عرفت أن الظن قد يبلغ درجة اليقين، وقد يقوم مقام المعاينة عند صدق الإحساس
فكيف استقبل الدكتور طه هذا التقريظ الطريف؟
مضى يقول: هذا اختراع جديد من اختراعات زكي مبارك في الأسمار والأحاديث، فليس من المعقول أن أكتب إليه خطاباً أقول فيه (أحمد الله إليك)، وهي ليست من عبارات هذا الجيل!
ولقيني بعد ذلك، فجدد استغرابه من العبارة التي نسبتها إليه؛ فقلت: إنها حق؛ فقال: إنها من المستحيلات!
ومضيت أبحث عن ذلك الخطاب، فلم أهتد إليه، لأن الدنيا كانت أسرفت في اللجاجة