(رسالة مهداة إلى معالي الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير
الشؤون الاجتماعية)
للدكتور زكي مبارك
في العام الأسبق نشرتُ مقالات عن الفقراء والأغنياء تقوم على أساس القول بأن الفقر مرض ولكل مرض أسباب، وأن الغنى عافية ولكل عافية أسباب
وقد قوبلت تلك المقالات بالاستنكار من كل جانب، وعدّها الناس تحاملا على الفقراء، وتلطفاً مع الأغنياء، مع أني كتبتها لوجه الله والحق، ولم يكن هناك باعث غير الرغبة الصحيحة في عرض أراء قد اقتنعت بصحتها كل الاقتناع
ثم مرت شهور طوال وأنا أفكر في أسباب غضب الجمهور على تلك المقالات، فلم أجدها ترجع إلا لسبب واحد: هو مجاراة النزعة الموروثة في الترفق بالفقراء، والغض من أقدار الأغنياء، فقد مرّت أزمان والناس لا يقرأون غير كلمات معسولة في الدعوة الى الرأفة والرحمة والبر والحنان فيما يتصل بمعاملة الفقراء، وكلمات مسمومة في إنذار الأغنياء بعواقب الحرص على كنز الأموال
وأقول أن هذه الألوان الكلامية كانت تليق بزمان غير هذا الزمان، يوم كانت الكلمة اللطيفة تنفع الفقير بعض النفع لما فيها من المواساة، ويوم كانت الكلمة القاسية تصدُّ الغنيّ عن المبالغة في طلب الجاه والمال
أما اليوم فقد تغيرت مذاهب الحياة أشد التغير، ولم يبق للكلام المعسول أي قيمة في مواساة الفقراء، ولم يعد للكلام المسموم وزن في تقويم الأغنياء
نحن في زمن الحقائق، وليس للكاتب المرائي في هذا الزمن مكان.
نحن في زمن الحقائق، والحقائق تنطق بأن الفقر مرض، وأن الغنى عافية. والمريض الذي لا يبحث عن أسباب مرضه ليتجنبها هو مريض في طريق الموت
يجب أن نقنع كل فرد بأن الغنى طوع يديه إن أراد
يجب أن نقنع كل فرد بأن الوصول إلى الرزق ليس من المشكلات، فجهاد ساعتين اثنتين