قرأت في هذا الأسبوع رأيين في الأدب والفن أحدهما يمسني والآخر يهمني. فأما الأول فهو رأي صديقنا الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني في تقريظه لقصتي السينمائية (رصاصة في القلب) الذي نشره في جريدة البلاغ تحت عنوان (بين الأدب والسينما)، وقد تحدث فيه عني حديثاً مستفيضاً، ورحب بالتفاتي إلى الفن السينمائي ترحيباً نم عن نفس نبيلة وزمالة شريفة. ثم تطرق من ذلك إلى الإسهاب في صلتي بالأدب العربي قائلاً:(وليس لصديقي الحكيم عيب فيما أرى سوى قلة عنايته بالأدب العربي. ولست أزعم أنه لا يقرأ من الأدب العربي شيئاً، والعياذ بالله، فإن هذا يكون شططاً لا يغتفر ولا يقبل ولا يعقل، وإنما أقول إنه لا يعني به كعنايته بالأدب الغربي من فرنسي على الخصوص، وإنجليزي وألماني وروسي على العموم. . . وهنا موضع التحرر من خطأ قد يقع فيه القارئ أو وهم يركبه، فلست أقول إن صديقي الحكيم لا يحسن العربية، أو أن لغته ركيكة أو واهية البناء، فما إلى شيء من هذا أقصد. . . فإن لأسلوبه العربي لجمالاً ورشاقة وحلاوة وطلاوة. . .) الخ
هكذا قال صديقي المازني. وإذا تأملنا هذا القول ومثله لتكشف لنا عن نتيجة عجيبة: هي أن أمثال تلك الروايات التي تشاع عن إغفالي للأدب العربي ليس فيها ما يضيرني بقدر ما فيها من إساءة إلى الأدب العربي نفسه. فإن القارئين لأسلوبي الذي تكرم المازني فأسبغ عليه تلك الصفات لا ريب قائلون:(هاهو ذا كاتب قد استطاع أن يجعل لأسلوبه (جمالاً ورشاقة وحلاوة وطلاوة) دون أن يحتاج في ذلك إلى الأدب العربي. ففيم الاهتمام بهذا الأدب، وما نفعه إذن؟!) ماذا يكون الحال إذا قالها الناس أيها الصديق المازني بينما الحقيقة غير ذلك؟ فالحق الذي يجب أن يقال هو أني ما وصلت إلى هذا إلا بعد اطلاع على الأدب العربي وتأمل له ونظر فيه. وكل ما في الأمر أني أتناول هذا الأدب تناول رجل الفن لا رجل العلم ولا رجل البحث. وإني آخذ منه ما ينفعني وأمضي به صامتاً إلى فني الذي أمارسه. والفنان يحتاج من مادة اللغة إلى قدر غير القدر الذي يحتاج إليه العالم المحقق للنصوص المفسر للمتون المستخرج للوثائق. وإن الفنان ليعرف بغريزته الفنية ما يلزم