في العام الخامس من الهجرة تألّب الشرك على التوحيد، وائتمر الباطل بالحق، وكاد الشر للخير. تقاسم رؤوس الضلالة ليغزون المدينة وليقتلُنّ هذه الجماعة الناشئة، وليبطلُن تلك الدعوة الجديدة.
مشى يهود خيبر إلى قادة قريش، وحرضوا القبائل الضاربة غربيّ نجد وشرقيّ خيبر، قبائلَ غطفان. فاجتمعت كلمة هؤلاء وهؤلاء على غزو المدينة والبطش بالمسلمين.
ورأى المسلمون أنهم لا قِبل لهم بهذه الأحزاب، لا يستطيعون دفع قريش وغطفان وألفافهما، لا قِبل لهم بهذه الجموع الحاشدة من قيس عيلان وقريش ومن انحاز إليهم، هذه الجموع التي قال فيها حُييّ بن أخطب أحد زعماء اليهود الذين ألّبوا الناس على المسلمين، حين جاء إلى كعب بن أسد القرظي رئيس بني قريظة وهم بقية اليهود في المدينة فقال له يحرضه على نقض عهد المسلمين:
(ويحك يا كعب جئتك بعزّ الدهر وببحر طامٍ. جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من روما، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذَنب نَقَمَي إلى جانب أُحُد؛ قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمد ومنْ معهُ).
أهمّ المسلمين هؤلاء الأعداء، فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق يصد الجيوش عن المدينة. فخطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المخافة من المدينة. وذلكم شماليها حيث يطمع العدو في دخولها. وأما الجوانب الأخرى فكانت ممتنعة على الغُزاة بجبالها ونخيلها. خط الرسول الخندق من أُجُم الشيخين إلى المذاد وقطّعه بين الصحابة أربعين ذراعاً لكل عشرة رجال. وجدّ المسلمون ليفرغوا من الخندق قبل أن يداهمهم العدو. والرسول يشرف عليهم ويشاركهم أحياناً في عملهم وارتجازهم.
- ٢ -
وبينما عشرة من الصحب يحفرون قسمهم من الخندق لقّوا صخرة قاسية أثرت في معاولهم