ولم تؤثر فيها المعاول. وكرهوا أن يعدلوا عنها فيحيدوا عن ما خطّه الرسول لهم. فقالوا لسلمان الفارسي أحد هؤلاء العشرة أصعد فأنظر ماذا يأمر رسول الله. فرقي سلمان فقال:
(يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا. خرجت صخرة بيضاء من الخندق مَروْة فكسرت حديدنا وشقّت علينا حتى ما نُحيك فيها قليلاً أو كثيراً. فمُرنا فيها بأمرك فأنا لا نحب أن نجاوز خطك).
قال راوي القصة عمرو بن عوف الُمزَنيّ:
فهبط رسول الله مع سلمان في الخندق. ورقينا نحن التسعة على شقة الخندق. فأخذ رسول الله المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى كأن مصباحاً في جوف ليل مظلم. فكبّر رسول الله تكبير فتح. وكبّر المسلمون. ثم ضربها رسول الله الثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف ليل مظلم، فكبّر رسول لله تكبير فتح وكبّر لمسلمون. ثم ضربها رسول الله الثالثة فكسرها وبرقت برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم. فكبّر رسول الله وكبّر المسلمون. ثم أخذ بيده سلمان فرقى. فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط. فألتفت رسول الله إلى القوم، فقال هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا نعم يا رسول الله - بأبينا أنت وأمنا - قد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج فرأيناك تكبّر فنكبّر. ولا نرى شيئاً غير ذلك.
قال رسول الله: أما الأولى فقد أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى أسرى لثانية أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم؛ والثالثة أضاءت لي منها قصور صنعاء. وأبشروا يبلغهم النصر. وأبشروا يبلغهم النصر. وأبشروا يبلغهم النصر).
- ٣ -
إن هذا الشيء عجاب: جماعة قليلة لم تستطع الدفع بأيديها وأسلحتها فاعتصمت بالخندق تتقى به عدوّاً أكثر عدداً وأعظم عُدّة؛ جماعة قليلة جاهدة يدهمها عدو حاقد محنق قد صمم على يستأصلها. وليس لهذه الجماعة ردء على الأرض ولا مدد. وهي تكدح لحفر الخندق وتكلّ أيديها فينزل قائدها يعينها ويواسيها، على حين أحاط بها الخوف (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الخناجر وتظنون بالله الظنونا).