إنني آسف أشد الأسف إذا كان ردي السابق على الأديب المرتيني يصح أن يوصف بالحدة كما وصفه حضرته، وما كنت أحسبه إلا مثالا للهدوء المقترن بالصراحة. وقد كرر ناقدي الأديب قوله عن الأدباء المصريين:(وإذاً أنا أعود فأردد مرة أخرى، ما عرفت الدكتور وإضرابه من إخواننا المصريين إلا أباة على النقد. يثيرون من أجله المعارك ويتسارعون بسبه إلى الخصام والنزاع). وقد أغناني الشاعر الناقد طلبة محمد عبده برده في عدد مايو من مجلة (أبولو) عن الرد المسهب على الأديب المرتيني، وحسبي هنا أن ألاحظ في إيجاز نقطتين: الأولى أن كل حجة صاحبنا في مؤاخذتي تقدمي إلى الرد عليه في أدب واعتدال، كأنما الواجب علي وعلى أمثالي الخضوع لديكتاتوريته النقدية، فإذا ما ناقشناها في هدوء مناقشة أدبية وصمنا بما وصمنا به، والثانية شهادة مجلة (الضياء) الهندية، وقد وافتني يوم صدور عدد (الرسالة) المنشورة به مقالة ناقدي، فقد ذكرت (الضياء) - وهي من أرقى المجلات الأدبية في العالم العربي - في كلامها على (الينبوع) وصاحبه وتشجيعه للنقد الأدبي أن تشجيعي هذا هو (جرأة نادرة) في هذا الزمن.
إذن ليس هناك يا صاحبي أي حدة ولا تأب على النقد، فأعداد (الرسالة) بين أيدي القراء، كما أن (الينبوع) وغيره من دواويني ومؤلفاتي بين أيديهم، ويمكنهم أن يدرسوا ويقارنوا لأنفسهم بين كتابتي وكتابتك. وفي الحق لم يعرف عني إلا العداء للديكتاتورية الأدبية، سواء أجاءت من ناحية المؤلفين أم من ناحية النقاد، وقد شجعت وسأشجع دائماً النقاش الأدبي البريء لأنه خادم وأي خادم للأدب، ومتى تحقق الاحترام المتبادل بين المؤلفين والنقاد، فلن يؤدي النقاش الأدبي بينهم إلا إلى الخير الأدبي المحض. ولولا هذا الإيمان في نفسي بالنقد وفوائده لصدقت عن التعليق على ما يكتب عني، فجل شعري لنفسي أولا لا للجمهور الذي تتحدث أنت عنه وتود أن تراعيه، وأنا لا أتطلع إلى مدح أو تصفيق لقاء جهودي، وقد أصبحت لا أتطلع حتى إلى محض الإنصاف من معظم معاصري
ومن كان لا يعنيه مدح ولا قلى ... يعف عن المدح العريض ويستغنى