للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تأملت الملاحظات الفنية الجديدة التي جاء بها نقدي الفاضل في مقاله الثاني فأسفت لأنه لم يذكرها في مقاله الأول. ولو كان قد فعل ذلك لما كنت رددت عليه: فقد كان في مقاله الأول يلقي الأحكام كأنه القاضي الأعلى الذي لا مرد لحكمه. وأما في مقاله الثاني فهو ينزع إلى التفسير النفساني ويتحدث عن الذوق الفني وما إلى ذلك. . وهو في موقفه الجديد منع من أن يساءل أو يناقش، اللهم إلا في تذكيري إياه بأن قولي:

كن أنت نفسي واقترن بعواطفي ... تجد المعيب لدي غير معيب

لا يعني شيئاً مما ذكره، وإنما يعني أن الناقد الذي لا يستطيع أن يتمثل نفسية الشاعر وظروفه والعوامل المؤثرة عليه وقت نظمه هو أبعد الناس عن الإنصاف، لأنه سيعيب ما لا يعاب لو أنه تمثل شخصية الشاعر في المناسبة التي نظم فيها ذلك الشعر المنقود. وليس من الحكمة ولا من الإنصاف في شيء أن يتقدم الناقد لي أثر شعري وهو نافر من صاحبه كيفما كانت أسباب ذلك النفور.

إن التحدث عن اللغة الفنية لا أول له ولا نهاية. وقد نقد لغتي من نقدها ممن عرفوا بالتضلع في اللغة والتمكن من الشعر. وفي مقدمتهم السيد مصطفى جواد، ولهؤلاء السادة ما لهم من الذوق الشعري الناضج. أليس هؤلاء إذن أولى من الأديب المرتيني بالحكم في هذا المجال؟ وما معنى انتقاص معارفهم ومناحيهم؟ أليسوا أجدر منه ومني بتحديد ما يسميه باللغة الصحفية؟ ليس لي يا صاحبي أن أزكي نفسي، وإن كان لي أن أدافع عن مذهبي أحياناً، وقد كتب في تقدير روحي الفنية وتعابيري الشعرية غير واحد من الأدباء المشهورين، ومنهم من ناقشك، فلك أن تناقشهم إذا شئت، وأما أنا فلا أجد فيما كتبت من جديد سوى إبهام جديد، إلا في موضع أو موضعين، وليس لي من رد على مثل هذا الانتقاص المبهم غير إنتاجي الجديد. . .

لقد أعجبك قول امرئ القيس

مكر، مفر، مقبلٌ، مدبرٌ، معاً ... كجلمودِ صخرٍ حطه السيلُ مِنْ علِ!

نظراً لما فيه من موسيقى وحركة وخيال، ولا أعرف أن كل شعر امرئ القيس من هذا القبيل، أو أن شعري تجرد من مثل ذلك، كما أني لا أعرف أن مثل هذه الصفات التي شاقتك مرغوب فيها في جميع ضروب الشعر، ومنه ما قد تؤثر فيه موسيقى المعاني

<<  <  ج:
ص:  >  >>