الأستاذ ساطع الحصري مؤلف هذا الكتاب، علم من أبرز أعلام الرجال في البلاد العربية، وعالم محقق مدقق، صبور على التتبع، مفطور على التقصي والتحليل، ومرب فاضل له في المعارف رأى صائب سديد، وفي السياسة باع طويل، ودراية واسعة، ولباقة نادرة، ما وكل إليه شأن من شؤون الدولة إلا قام به خير قيام، ولا أسند إليه عمل من الأعمال إلا بلغ به الغاية من التمام.
من أحدث مؤلفاته كتاب (يوم ميسلون) وليوم ميسلون شأن أي شأن في تاريخ الأمة العربية، فإن أحداثه الكبرى برغم إنها دكت عرشاً، وأنزلت بالشعب السوري هواناً، وأقامت بدلاً من العرش وهو رمز الأمة، طوداً للاستعمار البغيض جثم على الصدور، وثلم الكرامة الواعية. فإن تلك الأحداث على عنفها لم تكن عاجزة فقط عن قتل روح الأمة ومحو قوتها المعنوية بل كانت باعثاً من أكبر البواعث على الاستفزاز وعلى النشاط للجهاد ومحو آثار ذلك اليوم المشئوم، ودرء أخطار مثله.
قرأت الكثير مما كتبه الفرنسيون في تبرير يوم ميسلون، وسمعت الكثير من أقوال رجال سورية العاملين، منهم الذين شاركوا في التمهيد ليوم ميسلون، ومنهم من عمل ليتفادى أو يستبدل أحداث ذلك اليوم المشئوم، فلم أقع على ما يروى غلة متعطش إلى معرفة الحقيقة، ولكن هذا الكتاب، لا يغير فقط طريق المؤرخ، بل يعطيه الوثائق والأسانيد الصحيحة ويطلعه على حقائق كان بعضها خافياً على الكثيرين من رجال الحكم، وبعضها الآخر كان يعمل على إخفائه رجال الحكم أنفسهم، أو تجار الوطنية من عباد الوظائف الكبرى، وعلى طمس معالمه حتى لا تثلم زعامتهم، ولا يفتضح أمرهم عند سواد الشعب، الذي كان حتى الأمس القريب، يؤخذ بالتقاليد العتيقة البالية فيحترم فلاناً الحاكم أو الزعيم لا لفات تؤهله للزعامة أو الحكم، بل لأنه من آل فلان الحاكمين أو الأثرياء. . ويمجد علاناً الموظف لأنه