يقول المؤلف الفاضل (إن حوادث يوم ميسلون لم تكن بنت ساعتها، بل كانت صفحة من صفحات القضية السورية، والقضية السورية نفسها لم تكن قضية قائمة بذاتها، بل كانت جزءاً من القضية العربية، كما إن القضية العربية كانت وثيقة الارتباط بالمسألة الشرقية) ولكي يقيم المؤلف الدليل على هذه الارتباطات المتسلسلة أنشأ فصلاً كان بمثابة تمهيد يبرز أطماع فرنسا في سورية جعل مردها إلى الحروب الصليبية، كما كان بمثابة توضيح لسياستها الاستعمارية التي سلكتها في الربع الأول من القرن الثامن عشر، وقد أخذت منذ ذلك الحين تبسط نفوذها على بلاد إسلامية واسعة الأرجاء، وتعلن إنها صاحبة إمبراطورية إسلامية وإرث عظيم يؤول إليها من تركة الدولة العثمانية، ويستعرض المؤلف الفاضل ببراعة وإيجاز فصل اصطدام فرنسا الاستعمارية بالعقبات الدولية وتناحرها من الإنجليز، أصحاب الإمبراطورية التي لا تغرب الشمس عنها لامتدادها في أصقاع الأرض، لينتهي إلى الاتفاق الذي تم بين الدولتين الحليفتين، فرنسا وإنجلترا على تنفيذ معاهدة سايكس - بيكو بنصوصها وحذافيرها، وكان ذلك الاتفاق بمثابة مقدمة لحلول القضاء المشئوم يوم ميسلون.
فصول الكتاب متعددة متنوعة بارعة، ولعل أبرعها الفصل الذي تم فيه اختيار أعضاء مجلس المديرين زميلهم السيد ساطع الحصري وقد حبذ الملك رأيهم للسفر إلى مقر قيادة الفرنسيين في لبنان قبيل زحف الجيش الفرنسي على سورية للتفاهم مع الجنرال غورو المندوب السامي، خصوصاً وقد قبل وزير الخارجية السورية كافة المطالب الفرنسية: ففي هذا الفصل يصف المؤلف البارع الموقف أبلغ وصف، ويكشف القناع الشفاف عن مطامع الفرنسيين المستعمرين، وكيفية توسلهم بكل وسيلة تحقق أمانيهم وتدرجهم في الطلب حتى يستوفوا أغراضهم تامة كاملة. ثم يفضح أذناب المستعمرين من أبناء سورية بسرد نتف من أعمالهم ولمحات من تصرفاتهم وسكوته المهذب عن ذكر أسمائهم، فتنطق الأعمال بلسان أوضح من تبيان الأسماء، فلا يتمالك القارئ من استنزال لعنة يصبحها على ذلك الزعيم الخسيس أو ذاك المتكالب على الوزارة أو الطامع في وظيفة، أو هذا المائع المتفلسف يلبس لكل حالة لبوسها.