للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

الطور الفني في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

مما عرف به الإنسان انه حيوان يتذوق الفن، فحب الفن طبع فيه، تبدو مظاهره حالما يأمن على نفسه ويتوفر له قوته وحاجاته، فإذا ما فرغ من الضروري من أموره التفت إلى الكمالي، وطلب الفن والجمال، ومن ثم تظهر بعض الفنون بدائية بين الجماعات المتبدية، وترتقي بينهما وتتنوع بقدر ما تسمح به بيئتها ودرجتها من الرقي المادي والعقلي. والرقص والموسيقى والشعر من الفنون السابقة إلى الظهور، لقلة ما تحتاج إليه من المواد الأولية، أما التصوير والنثر الفني والنحت والعمارة، فأكثر تأخراً عنها لما تحتاج إليه من تقدم الصناعة والمعرفة بالكتابة والاستقرار في موطن

ومهما بلغ الشعر من التقدم في عهد البداوة فما يزال محدود الجوانب قريب الأغوار متشابه الآثار؛ فإذا كانت الحضارة والاستقرار والثقافة والتدوين اتسعت مواضيع الشعر باتساع جوانب العمران، وبعد غوره باستفادته من العلم، وجاد أسلوبه باستخدام التدوين والتروي، واتصلت الجهود فيه وتكاثر الابتكار بتوفر الوقت للتفرغ والتفنن، وظهر بجانب الشعراء أخوه الأصغر سنا وهو النثر، وظهر بجانب الشعراء الكتاب، وبظهور النثر يمتد مجال الأدب حتى يتاخم مجال العلم أو يتداخل وإياه، وإذ يدون الأدب يطلع عليه أبناء الأمم الأخرى ويطلع أدباؤه، على آداب تلك الأمم فيتأثر بها ويؤثر فيها، بعد أن كان الشعر في عهد البداوة معزولا لا يحس به سواه ولا يعلم هو بوجود غيره، وبتقييد الأدب يتوارثه جيل عن جيل، ويزداد تراثه باطراد، بعد أن كان في عهد بداوته سريعا إلى التلاشي في ضباب النسيان، لا يكاد يذكر منه جيل عن أجداده إلا القليل المحرف غير المستيقن

فحين تتحضر الأمة وتتثقف، يصبح شعرها فنيا ويظهر تجانبه النثر الفني؛ على أن هذا يستغرق زمنا، ولا يجئ الفن إلا متأخراً عن الصناعة وعن العلم. فالإنسان يعمد دائما إلى الضروري حتى إذا ما قضى منه وطره تحول إلى الفن أو تحولت الصناعة ذات الغرض المادي إلى فن لا غرضاً في نفسه خارجاً عن ذاته وهكذا ينشأ التصوير والنحت والعمارة والنثر جميعاً، تكون في أول أمرها صناعات تخدم أغراضا مادية وتسد حاجات الإنسان،

<<  <  ج:
ص:  >  >>