غالى قوم في نعتهم (نوفاليس) بنبي المدرسة الرومانتيكية الألمانية، وقد كان لنوفاليس تأثير واضح في تشييد دعائم هذه المدرسة في عصر كان الأدب الألماني فيه حائراً تتهاداه السبل، وتتقاذفه الشكوك. ولكن هذا التأثير لا يجعل من نوفاليس نبياً قدسي الآيات، ولعله كاد أن يكون نبياً وفوق النبي لهذه المدرسة، ولو لم يقتطف الموت زهرة صباه عاجلا قبيل أن تتفتق، لكن قلبه النضير، قلبه الشاب استطاع أن يسبح في عوالم الشعر. ويعود - بعد طوافه - غنياً بما جمع والتقط وكثير ما هم النبغاء الذين تنبغ قلوبهم قبل ان تنبغ أعمارهم، ويفيض عبيرهم قبل أن تتفتح أزهارهم، ويمضون سراعاً وهم في مقتبل العمر، وقد تركوا وراءهم دوياً لا ينسى ابد الدهر، شأن شيللي وكيتس ونوفاليس. لكل نابغة - في مقبل عمره - مثال من النوابغ المعجب بهم، يتأثر به ويتشيع له ويترسم خطواته. وكان (شيللر) مثل (نوفاليس) الأسمى، كان مثله في البراعة والعظمة والكمال. وشيللر هو الذي أحيا في نفسه هذه الميول، ودفع به إلى الحياة الشعرية،
خبت في نفسه هذه الميول، ثم ما لبثت أن هبت ثانية على أثر مطالعته كتب (ويلهلم مستر) وعكوفه على هذه الكتب يتلوها تلاوة وجد وهيام، فطبعت في نفسه لحناً رومانتيكياً وولدت عنده حقائق عميقة محاطة بالرموز، ولكن هذه الميول ظلت هامدة ساكنة لا يقوي شيء على إظهارها، حتى عرضت لعينيه غادة أحلامه متمثلة في (صوفيا الصغيرة) التي لا تتجاوز الاثني عشر ربيعاً. فخطبها فكان له ذلك، ولكن القدر كان قاسياً، فانتاب الفتاة داء لم يمهلها إلا قليلاً، فتيقظت ميوله واهتاجت عواطفه، وبكاها ما شاء له البكاء، ينظم فيها الشعر ويجعلها مثله الأعلى في الوجود. ويعتقد أنها حية في نفسه لم ينهبها موت، وإنما الميت هو نفسه، وأنها سبقته إلى ذلك العالم تدعوه إليها. فيسأل: (هل في استطاعة الإرادة البشرية التي تحول وتبدل ما تشاء في هذا العالم أن تجوز أبواب الأبدية؟. .