للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المدرسة الرمزية]

للأستاذ عباس محمود العقاد

(. . . استرعى نظري نوع من الأدب أسموه بالرمزية، ولا أعلم حتى الآن تعريف هذا النوع، وقد نبهني إليه تلك الإنذارات التي وجهها الأدباء إلى الشباب المحدثين بالآداب أن يكفوا عن تلك الطريقة الرمزية فإنها عقيمة النتاج لا تجدي نفعاً. فما هي الرمزية في الأدب؟ وهل هي تقتصر على الآداب العربية فقط عدا الآداب العالمية؟ وما هي نتائجها المضرة؟. . .)

(بغداد - الكاظمية)

جعفر آل ياسين

والرمزية التي يسأل عنها الأديب البغدادي قديمة في العالم، لأن الناس عرفوا الكتابة بالرموز قبل أن يعرفوا الكتابة بالحروف، ولأن الكهانات الأولى كانت تستأثر بأسرار الدين وتضن بها أن تذاع للعامة على حقيقتها الصراح، فكانت تعمد إلى الرموز أحيانا للتعبير عن تلك الأسرار.

ثم ارتفع حجر الكهانات عن أسرار الدين فتكلم الناس فيها وافصحوا عما يعتقدونه من خفاياها، ولكن الولع بالأسرار والبحث عن الغوامض والغيوب طبيعة في بعض النفوس لا تخرجهم منها صراحة القول ولا إباحة التفكير المطلق لمن يشاء، فظهر هؤلاء بين المسلمين كما ظهروا بين الأمم المسيحية والإسرائلية، وقسموا عندنا العلم إلى علم شريعة وعلم حقيقة، وأرادوا بعلم الشريعة ما يبدو على ظواهر الأشياء، وبعلم الحقيقة ما ينفذ إلى بواطن الأسباب المغيبة عن العقل المكشوفة للبصيرة، وقابلهم عند الأمم الأخرى جماعة المتعمقين الموكلين بالغوامض والأسرار وهم المعروفون باسم الخفيين أو الـ ولا يزال لهم مريدون ودعاة في كل عصر من عصور الآداب.

لكن المقصود بالرمزية في الأدب الحديث هو تلك المدرسة التي راجت في أوائل القرن الحاضر وظهرت في فرنسا على أعقاب مدرسة (البرناسيين) أصحاب القول بجمال القالب وأناقة النفس والعكوف على المحاسن الظاهرة في أساليب الشعر والنثر وصياغة العبارات، وعندهم أن الصقل المحسوس هو آية الجمال والبلاغة في جميع الفنون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>