للرسالة الغرّاء فضل على الأدب العربي أن أتاحت لقرّائها فرصا
كثيرة للإطلاع على آراء ناضجة، وبحوث طريفة في الأدب العربي.
ولقد أثار كتابها الفضلاء موضوعات طليّة في هذه الناحية لقيت من
قادة الأدب والباحثين فيه عناية كبيرة، تردد صداها على صفحات
(الرسالة) وفي أندية الأدب، وإذا كان من حق الرسالة على أدباء
العربية أن يشكروا لها حسن مسعاها. فإن من واجبهم أن يبوحوا بما
يهتدون إليه من آراء حيال هذه الموضوعات، ليكون للأدب من
كتاباتهم وبحوثهم مدد لا ينقطع.
أثار الباحث المفضال (الدكتور محمد عوض) مسألة الشعر الذي لا يجري على سنن واحد، وكان موفقاً في تسميته (مجمع البحور) كما كان جدّ موفق في نقده وتجريحه حتى تركه هباءً تذروه الرياح. ولقد كانت صيحة (الدكتور) موفقة، نبّهت رجال العربية إلى خطر داهم ينتظر الشعر العربي من هذه الدعوة الباطلة التي لم تعدم لها أنصارا، ولم تعتمد في قيامها على دليل، لقد طالما صدّعت آذاننا بمثل هذه الدعوة، فمن داع إلى التحرر من القافية، إلى منادٍ بجمود الشعر العربي، إلى طارح لأوزان العروض المأثورة، إلى غير هذه النزعات الطائشة الغامضة، وأخيرا فوجئنا بفكرة التحلل من وحدة البحور، وقرض الشعر على غير نظام والسير فيه على غير هدى، ولقد كنّا نشفق على الشعر ذلك التراث المجيد أن تعبث به المحاولات، ثم يعود إلينا شيء من الطمأنينة، اعتماداً على ما فيه من مناعة تقيه هذه الألاعيب، غير أن دعاة هذه الفوضى الشعرية ما فتئوا يعاودون الكرّة بعد الكرّة يريدون أن يتسللوا في غفلة الرقباء إلى حمى الشعر فيستبيحوه، فإذا تم لهم ذلك لجّوا في طغيانهم، وقضوا على أنصع صفحات الأدب العربي، وأزهى رياضه، وانضر وجوهه، ثم نعبت غربانهم على أطلاله، وقطعوا ما بين حاضر الأمة وماضيها، وبنوا على أطلال ذلك