في واد مشرق السماء، جهم الأديم، تضطجع بين الجبال، على سيف الصحراء، تلك العذراء الممنعة (مكة)؛ تكاد تنال بإحدى يديها مياه (القلزم)؛ حين تنسم عن بعد نسيم الشرق بعراقه وفرسه، تلتفت يمنة إلى بلاد العرب السعيدة، بدفء شتائها وأسباب حياتها؛ وترنو يسرة إلى مشارف الشام بوارف ظلالها، وفتون حضارتها
في واد غير ذي زرع حول البيت المحرم، منذ بضعة عشر قرناً كانت تخفق القلوب وجلة، وتختلج النفوس متطلعة، ويشيع في أولي الألباب تشوق وتلهف، استحال اضطراباً اجتماعياً، وثوراناً روحياً، على قديم لا يرضي العقل، ولا يسعد القلب، حتى هب نشاط أناسي منهم إلى انتجاع ذلك الجديد بالرحلة إليه، والنقلة في سبيله، مثلما تلتمس أسباب الرفاهة الحيوية، من أعراض التجارة وحطام الدنيا
- ٢ -
في ذلك العهد الحائر، كان سيدان من سادات قريش، قد اكتملت لهما بسطة من الجسم والحلم، وظفرا بوفر من الحسب والكرم، حين سعدا بأخلاق تشابهت في السمو، حتى تلاقت فيهما نعوت الواصفين: لا يعيشان لأنفسهما، ولا يفكرن في ذواتهما. إنما هم أحدهم ظلم يرفع، وحاجة تدفع، ومعونة على الدهر، أو اضطلاع بإصلاح إذا كشر الشر
كانا في سن متقاربة، لا تقول هما لدان، ولكنهما متقاربان، سبق أكبرهما صاحبه إلى هذه الدنيا بعامين وشيء من الأيام
كانا يضربان في حياة تشابهت وديانها، وإن تخالفت ألوانها، الكبير تاجر يصرف الدراهم والدنانير، حين كان الأكبر يرعى الشاء ويدبر البعير، على هينة في ذلك وقلة عناية
توثقت بينهما صداقة عريقة، حين كان الأكبر يشارف الأربعين، قد بقى له من عدها عام، والكبير يبعد عنها بخطوات ثلاث وعدة أيام؛ فلهما الشباب المكتمل، والعقل المتزن. وما