قوام العقائد الصحيحة، ونظام السير القويمة، وعماد الحياة الروحية السعيدة، ومدد كل خير، ومنبع كل طمأنينة، ومصدر كل سعادة، والهادي إلى الصراط المستقيم، والسنن القويم، والمنير في ظلمات الحياة، والدليل في مجاهلها، والجامع ما ظهر وما بطن من حقائق العالم، والمجلي لما جل ودق من مواهب الإنسان - هو الإيمان بالحقيقة العظمى، حقيقة الحقائق، ومركز الدائرة من الخلائق، الحقيقة التي نطق بها الكون مفصحاً ومعجماً وصريحاً ومجمجماً، وتكلم بها الإنسان ضالا ومهدياً، وسعيداً وشقياً، وقرأها القارئ والأمي، وبصر بها البصير والضرير، وأعرب عنها الناطق والصامت، وتحدث بها المتكلم والساكت، وأقر بها المنكر وهو لا يدري، واعترف بها الجاحد وهو لا يشعر، والتي ظهرت حتى بهرت، واستسرت حتى حيرت. وهي من فضائلها ظاهرة للمتوسمين، وفي ظهورها خافية على الغافلين. الحقيقة التي تخترق كل حجاب، وتدخل من كل باب. ويبين عنها النور والظلام، كسواد المداد وبياض القرطاس، لا تدري أيهما أدل على المكتوب، وأهدى إلى المحجوب، وكالليل والنهار، في نظام الشهور والأعوام، من النور والظلام، فيهما يسير الزمان، ويستمر الحسبان.
ذلكم الإيمان بالله جل وعلا.
(تسبح له السموات والأرض ومن فيهنَّ وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لاتفقهون تسبيحهم.)
الأيمان بالله حياة النفوس وقوامها. يجمعها ويدفعها ويصلها بالكون العام، والروح الشامل، فينظم قواها، ويحكم ملكاتها، ويشرف بها على العالم، مسيطرة عليه، نافذة إلى أسراره، مسخرة لقوانينه لا تتفرق أجزاء متخاذلة، ولا تسقط أهواء متهافتة، ولا تضطرب مطامع ومخاوف، يجذبها ميل ويدفعها آخر، وتقدم بها رغبة، وتصدها رهبة، بل تضئ سريرتها،