قرأت - فيما قرأت - في الرسالة الحبيبة إلى القلوب، العزيزة على النفوس، مقالة بليغة للأستاذ الكريم على الطنطاوي عنوانها (يوم من أيام بغداد) أجرى فيها من روحه الأبية، ومن دمه الكريم، قوة متفجرة تهز قلب كل عربي غيور، وتوقظ همة كل أبي أشم؛ فقد - والله - لمست منها قوة العاطفة، وسمو النفس، وكرم المحتد.
(ليست كالمقالات، جملاً ترصف، وكلمات تؤلف، ولكنها قلب يتفطر، وديناميت يتفجر. . .).
وغاية الأستاذ الكريم من هذه الكلمة الجميلة إيقاد الهمم، وإيقاظ النفوس، وشحذ العزائم؛ ليعلمنا (. . . إن مصر. . . أختنا الكبرى في العروبة، وقضية مصر قضيتنا، ووادي مصر وادينا، وعدو مصر عدونا، وإننا إن نخذل مصر نخذل بلادنا، وإلا نكن معها نحن أمتنا). ويتساءل في النهاية مخاطباً بغداد (أفتنامين يا بغداد في سرر الأمان ومصر في الشوارع تصارع الذئاب؟).
وليطمئن الأستاذ إلى إخلاص الشباب العراقي جميعاً.
وليثق بنا في ساعات المجد وفي سوح القتال.
وليعلم إن أجفاننا لا تهدأ، وإن قلوبنا لا تستقر، وإننا لا نخلد إلى السكينة، ولا ننام في سرر الأمان ما دامت مصر تتألم، والمغرب العربي يئن تحت نير الاستعمار، وفلسطين المجاهدة تتناهبها الأطماع، وتنهشها الذئاب البشرية، ويعبث بها أرباب المصالح الأجنبية، وترواغ في حقوقها ثعالب الصهيونية.
أجل لن نهدأ ولن نقر عيناً والبلاد العربية مجروحة تتنزى ألماً، لأن الشعلة المتوقدة في قلوبنا، والشجاعة الممتزجة بدمائنا، والإخلاص الثابت في نفوسنا، والصرخة المدوية في أعماق ضمائرنا - صرخة الحق، والعدالة، والحرية - كلها لا تزال في توقدها، وقوتها الأولى.
كلها أسس حياتنا، ومقدسات فكرنا، ومثلنا العليا التي نؤمن بها إيماننا بديننا.