قالوا إن الإنسان حيوان ناطق، أي إنه مالك تلك القوة التي تساعده على التعبير عما يجول في جنانه من الأفكار والمعاني. فكان من البديهي أن يحاول، منذ نشأته الأولى، استنباط خير الوسائل إلى أداء ما يريد التعبير عنه على أكمل وجه، بالإشارة ثم باللسان، أصواتاً متقطعة فألفاظاً منسقة. وكان من الطبيعي كذلك أن يتواضع مع أمثاله على أساليب للتعبير تكفل إتقان أداة التفاهم، أي اللغة، والوصول بها إلى الإعراب عن مختلف المعاني في أدق مقاصدها.
ومن هنا نشأت على توالي الزمن الأندية والمجامع التي تعني باستكمال هذه الأداة، وهي المجامع التي أطلق عليها فيما بعد اسم (أكاديميا).
وأصل الكلمة، على ما هو معروف، مشتق من اسم (اكاديموس) أحد أبطال الأغارقة. وكان (اكاديموس) هذا يملك على بعد فرسخين من أثينا روضة واسعة الأرجاء كان أفلاطون يختلف إليها فيجتمع تحت ظلال أشجارها الباسقة بتلاميذه ومريديه فيشرح لهم مذهبه الفلسفي. وبعد وفاته ظل هؤلاء يعقدون حلقاتهم للبحث والمدارسة في هذا المكان فعرف باسم (أكاديميا) نسبة إلى صاحبه. وشاعت الكلمة بعد ذلك في البلاد الغربية، مع توسع في مدلولها، فأطلقت على المجامع والأندية الأدبية والعلمية والفنية، بل تناولت المعاهد التي يدرس فيها بعض الفنون كأكاديمية التصوير، أو الغناء، أو الرقص، حتى إن الفرنجة اشتقوا منها صفات وموصوفات وأفعالا، وكثيراً ما استعملت الكلمة في لغاتنا الشرقية نفسها.
وعلى هذا الأساس نشأت أكاديمية البطالمة في الإسكندرية، والأكاديميات العبرية، وأكاديمية شارلمان، وأكاديمية الفريد الكبير في إنجلترا.
أما العرب فقد قامت أسواقهم ومجالسهم - وأشهرها سوق عكاظ ونادي قريش ودار الندوة - مقام هذه الأكاديميات. فكانوا في مجتمعاتهم هذه يتبادلون الأخبار ويتناشدون الأشعار ويبحثون في شؤونهم العامة. وكان للغة نصيب غير قليل من هذا البحث، كما تدل على ذلك حكاية النابغة مع الأعشى والخنساء. ثم صار بلاط الخلفاء في الشام والعراق والأندلس