ومصر أشبه شيء بهذه الندوات الأدبية والفنية، كما هو مفصل في كتب الأدب.
أما انتشار هذه المجامع بمعناها الحديث فقد بدأ في عهد النهضة أو البعث، وبخاصة في إيطاليا، فقام في كل مدينة جمعية أكاديمية أو أكثر تضم الصفوة المختارة من المفكرين والباحثين في مختلف الفنون والعلوم.
ولم تلبث فرنسا أن حذت حذو إيطاليا فنشأت فيها مثل هذه الجمعيات وازدهرت.
وفي غضون ذلك أخذت اللغات الأوربية تتطور وتصقل بتأثير طبيعة كل إقليم وأخلاق ناسه، وكان لهذه الأكاديميات أثر مذكور في هذا التطور، فامتازت لغة كل قوم بطابع خاص عرفت به، حتى أن كارلوس الخامس المعروف باسم (شارلكان) وهو أول من فاخر بان الشمس لا تغيب عن أملاكه - كان يقول:
(إني إذا خاطبت الله ضارعاً خاطبته بالإسبانية. وإذا خاطبت النساء متحببا خاطبتهن بالإيطالية. وإذا خاطبت جوادي زاجراً خاطبته بالألمانية. وإذا خاطبت الناس عامة خاطبتهم بالفرنسية).
وهو يشير بقوله هذا إلى ما في لغة الإسبانيين من الإجلال والتفخيم، وإلى ما في لغة الإيطاليين من الرقة والعذوبة، والى ما في لغة الألمان من العنف والشدة، والى ما في لغة الفرنسيس من الواضح وحسن البيان.
وهل نغالي إذا قلنا إن هذا العاهل العظيم لو كان يعرف اللغة العربية لغنى بها عن غيرها في مواقفه الأربعة، فقد جمعت فخامة اللفظ وجمال الأسلوب إلى قوة الأداء وفصاحة التعبير.
قلنا إن الأكاديميات انتشرت في عصر النهضة وبعده. وتنوعت أهدافها واختلفت مقاصدها، ولكننا اكتفينا بالإشارة إليها إشارة عابرة لنقف عند مجامع اللغة، ونقارن بين مهمتها ومهمة مجمعنا اللغوي ما دام هذا موضوع حديثنا. ومن خلال هذه المقارنة سنرى وجوه الشبه في الأهداف، وفي الصعوبات المعترضة، وكذلك في ضروب النقد الذي يوجه إلى هذه المجامع.
وأشهر المجامع اللغوية بلا مراء إنها أشهر مؤسسة في تاريخ الأدب، وهي كذلك أقدم المجامع القائمة إذ يرجع تاريخ إنشائها إلى أكثر من ثلاثمائة سنة. ذلك أن الوزير الكبير