الكردينال ريشليو نهض يعمل على نشر نفوذ فرنسا في أوربا، فأراد أن يدعم عن طريق نشر لغتها وثقافتها ما أحرزته من جاه وسلطان عن طريق انتصارات جيوشها.
وكان في ذلك العهد لفيف من الأدباء يجتمعون للنظر في منتجات القرائح وفي الموضوعات الأدبية. فخطر للوزير أن يجعل لهذه الاجتماعات صفة رسمية تعلي شأن الأدب في الدولة وترفع مكانته في أوربا، فاستصدر في شهر يناير من سنة ١٦٣٥ أمراً ملكيا بإنشاء (الأكاديمية الفرنسية) ولكن السياسة عادة لا تحب الأدب، فخشي البرلمان أن يطغي نفوذ هذه الندوة الأدبية على نفوذه وسلطانه فلم يقر إنشاءها إلا بعد سنتين
أنشأ ريشليو هذا المجمع فكان موضع عنايته. وظل أسمه مقرونا به حتى قيل إن إنشاء الأكاديمية الفرنسية كاف وحده لتخليد اسم هذا الوزير الخطير. وفي سنة ١٦٧٢ أصبح هذا المجمع في كنف الملك لويس الرابع عشر فشمله برعايته وأغدق عليه من نعمه الشيء الكثير.
ومضت (الأكاديمية) تعمل قرابة قرن ونصف قرن إلى أن قامت الثورة الفرنسية الكبرى تحارب طبقة الأرستقراطيين أو الأشراف، فألغت في شهر أغسطس سنة ١٧٩٣ (الأكاديمية) لأنها كانت تمثل أرستقراطية الفكر. ولكنها ما لبثت أن عادت بعد سنتين فأقرت وجودها. وظل هذا المجمع بين مد وجزر إلى أن أصبح منذ سنة ١٨٣٢ إحدى الهيئات الخمس التي تألف منها المعهد العام ' وهي الأكاديمية الفرنسية، وأكاديمية الفنون الجميلة، وأكاديمية النقوش والآداب، وأكاديمية العلوم، وأكاديمية العلوم الفلسفية والسياسية.
ولا بد لي من الإشارة هنا إلى أن في أضابير وزارة المعارف عندنا مشروعا بإنشاء مثل هذا المعهد العام في مصر على أن يؤلف من خمس شعب هي: شعبة العلوم، وشعبة الطب، وشعبة الآداب، وشعبة الفنون، وشعبة العلوم السياسية والاقتصادية، إلى جانب مجمعنا اللغوي. ولعل زميلنا المحترم الدكتور طه حسين بك، وقد كان له اليد الطولي في إعداد هذا المشروع، سيحدثنا عنه الحديث الوافي في الوقت المناسب
عرضنا فيما تقدم موجزاً لتاريخ الأكاديمية الفرنسية وكان عدد أعضائها ولا يزال أربعين عضواً يسمون (الأربعين الخالدين) لا لأن آثار كل منهم كفيلة بتخليده، بل لأنهم كلما مات منهم واحد حل محله آخر. ولعل كلمة (الإبدال) العربية تؤدي مثل هذا المعنى. فقد جاء في