للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حكمتي]

للأستاذ عبد الفتاح الديدي

لكل إنسان حكمته الخاصة التي ترشده في حياته وتنير له سواء السبيل، ولكل فرد من الأفراد المثقفين نوع من الإيمان وضرب من ضروب الاعتقاد الذي رسخ في ذهنه، وانطوى عليه باطنه، واطمأنت إليه نفسه، وإذا قلت إذ كل إنسان له حكمته فإنما أريد بذلك أن أتحاشى الكلام فيما يسمونه بالفلسفة الخاصة لدى كل واحد من أبناء آدم حتى ولو كان من رجال الشارع، إذ لا يوافق الكثيرون على الزعم القائل بأن كل واحد له فلسفته، فإذا جئت الآن لأقول عن كل واحد من الناس إن له حكمة يستوحيها فلا خطأ في كلامي ولا جناح علي، لأن الحكمة أخف بكثير من الفلسفة وأقرب إلى قلوب العامة وأشد اتصالاً بالحياة اليومية وتنتج في العقول بسبب الخبرة التي يجدها الشخص والتجارب التي يمر بها أثناء معاشه فوق ظهر الأرض.

وأنا شخصياً لي حكمتي، أستوحيها في الظل وأتملاها في النور وأستأنس بها من وحشة الليل وأمشي في الحياة بهديها ورضاها، وهي حكمة غريبة عن كل هذه الأفكار والمشاعر التي عهدناها حتى الآن، هي شيء من الواقع قبل أن تكون لونا من الخيال؛ وهي صورة من الحياة قبل أن تكون أملاً في الحياة، وضعتها في صدري قبل أن أمر بها على خاطري، وطويتها من قلبي ووجداني حتى إذا ما تفتح عليها العقل، ونبض بذكرها الفكر، عاشت مجنحة ولكن في اطمئنان، ومضت قلقة ولكن في وثوق، وانطلقت معي باحثة عن الأوضاع المستقيمة بين صرامة المنطق وغواية العاطفة.

هي حكمة أحياها بنفسي ولا أقتصر على التفكير فيها بالعقل، وأضمها إلى صدري دون أن أطفأ حرارتها بالتشريح والتفسير، وأتقبلها باسم الثغر واعي الفؤاد مستيقظ الضمير، ومن أجل هذا لا أرضى بها البديل، وإن جل البديل، ولا أتحول عنها إلى سواها مهما تكاثرت من أمامي خطى السير ومهما تطورت في عقلي أساليب الفكر والبحث. ولا أحب أن أضعها موضع التقديس، فلا أتأملها وأنظر في أمرها، ولا أرضى أن أخلطها بمعاش إلى الحد الذي تصير فيه محلاً للابتذال. هي قدسية في نورها أرضية في صورتها، ملائكية في سحرها طبيعية في هواها، إن أنس كل شيء فلن أنساها وإذا تسربلت بالهم فهي وحدها

<<  <  ج:
ص:  >  >>