ما كادت الساعة تشرف على الثانية عشر مساء، حتى دلف ميتيا كلدروف إلى داره، أشعث الشعر، منفعل الوجه، مضطرب النفس. فهرع إليه والداه وكانا على وشك النوم، وكذلك شقيقته وكانت قد أتت على الصفحة الأخيرة من إحدى القصص. أما اخوته التلاميذ فأغرقوا في النوم.
وصاح والداه في دهش:
- من أين أقبلت! ماذا دهاك؟!
- لا تسألاني. . . لم أكن أتوقعها. . . أنها المستحيل بغير شك. . .!
وعجزت ساقاه عن حمله - لما غمره من السعادة - فتهالك على أحد المقاعد ضاحكاً مردداً:
- أنها المستحيل!. . . انظروا، فأنتم لا تتصورون مبلغ ذلك! فخفت إليه أخته - وقد أحاطت نفسها بدثار - واستيقظ الأطفال على صدى هذه الضجة.
- ما الذي حدث؟ إنك تبدو في غير طبيعتك!
- ذلك لأني لا أكاد أتمالك نفسي من الابتهاج، ألا تعلمين أن روسيا بأجمعها تعرفني الآن؟ تعرف ذلك الكاتب المسجل دمتري كلدروف؟
وعاد ميتيا يهرول في غرف المنزل من جديد، ثم لم يلبث أن أدركه الكلل والعناء فتهالك على المقعد ثانية، وشك الجميع في أنه قد أصيب بلوثة في عقله، فصاح ميتيا في سخرية:
- أنتم تعيشون هنا كالوحوش، لا تدركون ما يدور حولكم لأنكم لا تعيرون اهتماماً ما ينشر في الصحف من الأخبار الهامة، إن الصحف تذيع ما يطرأ من الحوادث الخطيرة، فلا تبقى خافية على الناس. . . يا إلهي، كم أنا سعيد. . . ألا تدرون؟ لقد نشرت الصحف أسمي كما تنشر أسماء العظماء المشهورين!
فهرع الأخوة نحو أخيهم وقال الوالد وقد علا وجهه شئ من الشحوب: