بينا أخذ المذهب الطبيعي يضمحل ثم ينتصر بعض أعوام في القصة. كان مذهب جديد يذر قرنه في عالم الشعر والفن. هذا هو مذهب شعراء وفنانين كانوا يزعمون انهم لا يعلمون الأدب كله ولكن تأثيره أخذ يمتد، وحدوده بدأت تتسع، حتى اصبح مذهب العقل والحياة الباطنة، يؤثر في كل أشكال الفن، ويعمل في كل حقول الفن. هذا مذهب (الرمزية) الذي نبتت أصوله عند الشاعر (بودلير) وكان تأثيره (بودلير) أخذاً في الانتشار. ومن يجحد ما كان لبودلير من تأثير في شعراء (الرمزية) ولا سيما في الشعر الحديث الذي تهيمن عليه نفحات (بودلير). وهذه الرمزية الخفية تولدت من آثار (فرلين) ومن آثار (رامبو)
بول فرلين -
إحساس فرلين، خياله، فنه، تطوره
إحساس فرلين
لم يكن لفرلين خاصة معلومة من خواص العقل، لأن حياته لم تكد تقاد بتأملات عقله وإنما بغرائزه وإحساسه، ولم تكن لغرائزه من حاجة ولا غاية، وإنما هو الكسل والإخلاد إلى الدعة وطلب اللذائذ التي شغلته حتى لقي حتفه متسماً بالكحول. أما إحساسه فلم يكن عميقا ولم يكن معقداً. فبينما هو ينظم أبياتاً عاطفية على المذهب الوجداني إذا به ينكر الهوى والتشاؤم العاطفي. ولم يكن يتحرى عن السمو فيما ينشده وكان يجهل الدركات التي تنحط فيها الإنسانية في شدتها وفاقتها. يحب الحب ويترنم بالحب. وإذا لم ينشد اللذة البسيطة فهو لم ينشد أيضاً حب الأهواء. إن جد كان حلماً، والغواني اللواتي احبهن كن اقرب إلى الأوهام. وهذه الأوهام كانت عنده ظلالا وأشباحا. أحلامه هي قلق خفيف يتولد من طفولته، وإحساسه إحساس بسيط سرعان ما يسأم. يلبس حينا رداء الصدق وحينا رداء الكذب. فيه حياة وإبهام. وقد يكون اوجه وسطاً لو لم تسم به المخيلة والفن.