إن المخيلة الكلاسيكية والرومانتيكية هي التعبير عن المعاني بصور فهمها العقل وحللها، ويقدر على تحليلها أما مخيلة. (فرلين) فقد كانت مخيلة صافية أي أنها كانت تأسرها الصورة دون أن تجرب أن تفهم معنى الصورة. والشاعر يحس إن الصورة لها معنى وإنها تعبير عن حالة في النفس ولكن هذا التعبير ما هو إلا (مطابقة لها) إذ يصعب عليه أن يعبر عنها تعبيراً منطقيا. وهكذا تغدو المخيلة المحدودة بالتعابير المنطقية مخيلة تائهة شاردة. والأهواء الشاردة - عند فرلين - لا تغدو قاعدة أو مذهبا أدبيا. فان مخيلته الصبيانية تملك على أحلام صافية تعبر عن صور صافية. وتملك على أحلام أخرى يهيمن عليها نوع من النطق المشوش. وأحلام تلتحم مع أفكار صافية لتضيعها ثم لتجدها. وهكذا يبدو على أسلوبه الخيالي سيماء الأسلوب المدرسي، والأسلوب المتفكك. وليس لهذه المخيلة من قاعدة إلا الهوى والاختيار الباطني. هذه هو مذهب فرلين إحساس متحرك صبياني يلتقي بسرعة مع مخيلة سريعة الالتقاط للأحلام المتبدلة. إذ يرى واجبه أن يعبر عن هذه الرسالات السرية المحسوسة بشدة وحدة وهي تربط هذه الحركة بهذه الأوهام وهذه الانعكاسات بهذه الأشباح، يغمرها كلها ظلمة لا يمشي فيها نور. لأن روحه الشقية وعبقريته يجدان فيها الراحة والحياة وقد دأب فرلين على التأمل في الفن المدرسي وأصحاب هذا الفن، ذاهبا متحريا عن الفن الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه لنفسه، وتخاطب نفسه به نفسه
فن فرلين
إن فرلين لم يبتكر كل شيء فقد تحرى شعراء قبله في أوقات مختلفة عن هذا الفن الرقيق، وفرلين نفسه لم يجحد ما كان (لبودلير ومدام ديسيور دفالمور) من تأثير فيه. كما انه تأثر بشعراء من الإنجليز، تلاهم ودرسهم يوم كان في إنجلترا. على إن بودلير ومن ذهب مذهبه كانوا يحاولون أن يقرأهم الناس ويفهموهم. وكانوا - في الساعات التي تتكاثف معانيهم - يصونون الوضوح في التعبير والتركيب والنحو. أما فرلين فقد ذهب غير هذا المذهب إذ أراد أن يكون إنشاؤه خفياً، وأراد أن يضع حجابا على لغته وأوزانه التي تعبر