عن حالات نفسه الخفية، وبهذا تراه - من اجل غايته هذه - خرق كثيرا من القواعد. فأنت ترى بعض عباراته تتقارب وتتلاحق - غنية عن عناء المنطق - بنغمة باطنية من الهوى الذي يغمرها. وحركتها لا تكون إلا إيقاعا موسيقياً لا يجد فيها الإعراب أسباب جملة صحيحة. وإنما هي جمل موسيقية لا جمل منطقية! على أن عبقرية فرلين تتجلى عي انه عمل على إيجاد أوزان باطنية موسيقية للتعبير عن خطرات النفس الباطنة تحل محل الأوزان الظاهرة وقد كانت عاطفته في ذاك دقيقة مرهفة، وذوقه عميقا في انتقاء الألحان الملائمة المنسجمة التي تعبر عن المعاني، وانك لتجد شعره - سواء كان صافيا أو مبهما - يبدو كأنه يتجرد من كل معنى. وينتهي من وصوله إلى العقل حتى ينسكب في رعشات إحساسنا الرقيقة
تطور فرلين
لقد كان (فرلين) من بدء حياته الشعرية هدفا لأطوار متباينة، ولقد يكون انتقاله من طريق المذاهب المدرسية اقل حركة لو لم يتصل (بالشاعر رامبو) الذي كان تأثيره فيه تأثيراً عميقاً. وقد اتصل به فرلين اتصالا وثيقا طوال سبعة عشر عاما. وهو الذي أوحى إليه بان يزدري هذه الحياة (العاقلة) الفن (العاقل) وهذه التأثيرات الرثة وقد عكف فرلين على شرب الكحول حتى أرعشت قوته، وطوت فتوته، فانتابته الفاقة والشقاء والموت وأصبحت عبقريته الشعرية لا تٍرسل إلا شعاعا. وأصبحت طريقته الموسيقية، من عهد - تمتمة ضيقة الأنفاس.
ارتور رامبو
نشأ (رامبو) نشأة شعرية، وكتب مقاطيع مختلفة على أساليب مختلفة. وقد حذا حذو (ليكونت دي ليل وبودلير وفرلين قبيل عام ١٨٧٠ ولكن آثاره كانت تطغى عليها مخيلة محمومة ملتهبة تدفعه دائما إلى المجهول. وسرعان ما تلاشى عنده وجود العالم الحقيقي حتى أمسى عالما لمظاهر باطلة. إن الإحساس الحقيقي هو هو إحساس ابن صدفته وابن حادثه. . . هو الحجر المطروح في الماء،
أما ما هو اكثر اعتبارا فهو تلك الرعشات المترجرجة في الينبوع. هنالك حيث يبصر