العقل العادي - على شاطئ قناة مظلمة مصنعا للخمر يؤكد لنا (رامبو) بأنه يجد على ضفة نهر لامع معبداً! هذه الأوهام هي حقيقة الوجود. (وما عسى يغدو الوجود إذا خرجت منه؟) انه في هذا الوجود لغريبة طبيعية، في هذا الوجود الحقيقي وحده لا يبقى للمنطق المعهود إلا العمل. أما السحر الباطني فله طرائقه التي لا تفهم) ولكن الإنسان يحسها ويتبعها بطريقة خفيفة وحاجة خفية كما هو الحال في أجزاء خاتم غير متطابقة نراها طبيعية ضرورية. وإذا أردت الدخول في عالم الشعر فلا تطلب ذلك العالم البالي السائم الكاذب محاولا أن تعبر عن عالم الظواهر العملية، وإنما يجب أن تغادر هذا العالم وتفر منه إلى عالم جديد. فيه تتفتح الحقيقة الشعرية والأحلام الحية. . . وقد وجد رامبو إن اللغة العادية عاجزة كل العجز عن التعبير عن هذه الحقيقة الوهمية، فعمل على تنقيحها تنقيحاً فنيا، فافترض لكل مقطع لونا وحركة، وعمل لكل فعل معنى من معاني الشعر. وبذا تلونت الكلمات وأصبح لها أوقاع خاصة. . . والكلمة عنده أصبحت تتألف من الحان يجب أن ينظر في توقيعها الموسيقي لا في معناها، وهكذا أخذ شعر (رامبو) ينزاح من زمن إلى زمن عن تأثير الصور الواضحة والمنطق، واخذ يغدو كجوقة موسيقية للحلم الباطني بفصل أصوات (كلماته ورناتها.
المدرسة الرمزية
نشأت مدرسة جديد بتأثير (فرلين) (ورامبو) وفلسفة (شوبنهاور) وهذه المدرسة الجديدة اتخذت لها الرمزية اسما. وحقيقة أمر هذه المدرسة أنها نشأت ناقمة على الشعر التقليدي عاملة على خلق شعر جديد. أما تعاليم هذه المدرسة فليست من الواضح والترابط على شيء. وإذا شئنا أن نحلل معنى (الرمز) كما أرادوه لا يصل بنا ذلك إلا إلى كلام لا يغني! وإنما يفهم هذا الرمز ويفسر معناه العميق الحي من خلال آثار هذه المدرسة ونصوصها.
وأما مذهبها العام فهو إن الشعر إنما هو تعبير عن الإحساس لا عن عقل الشاعر. وهو يتجه إلى إحساس القارئ. الشاعر يعروه إحساس ما فيعبر عنه بلغة عقله فيدركه القارئ بلغة عقله بعد أن يكلف إحساسه بالاهتزاز! وفي هذه الأطوار نرى (التأثر) قد تغير وضعف وانعدم. أن الشعر الحقيقي ينبغي أن يكون اشتراكا مباشرا لإحساس مع إحساس. إذ يجب إلا يتوقف على عرضه والتحدث عنه وإنما يتوقف على (التلقين والإيحاء) كالوتر