للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اليوم المشهود. . .]

ذلك يوم الأوبة! وأوبة الزعيم العظيم عنوان من النور على فصل جليل الخطر بارز الأثر من تاريخنا الجديد: تجمعت في هذه الأوبة أشتات من المعاني والمنى، فكان يومها الأغر مظاهرة شعبية هاتفة، جلجل فيها صوت الحق، واستعلى بها شأن الأمة، واستعلن فيها مجد الوطن؛ وكأنما انبثقت في النفوس لأول مرة مشاعر المصرية والحمية والعزة، فكل امرئ يحس بوجوده المستقل، ويُزْهَى بسلطانه القادر، ويفخر بإرادته الحاكمة.

احتفل حَشْدُ الناس يوم الثلاثاء على حواشي الميناء وفوق متون الماء لاستقبال الرئيس الجليل على (كوثر)، وقد عاد إلى وطنه الشاكر الذاكر بتحقيق المسعى وتصديق الأمل؛ فكان هذا الاستقبال النادر مشرق الدلالة على معناه: نَمَّ بهزة السرور عن لذة النصر، وبهشاشة الوجوه عن جمال الشكر، وبحماسة الهتاف عن وجهة الرأي. وكانت الإسكندرية في ذلك اليوم صورة منسقة الألوان مهذبة الأطراف منمنمة الخطوط للقطر كله؛ تمثلت فيها من أعلى الجنوب إلى أسفل الشمال وجوه البلد، وأنماط الزي، ونوازع الهوى، ومرامي النظر؛ فالأندية والمقاهي والمطاعم والفنادق والطرقات والمركبات سيول متدافعة من فنون القول، ولكنها لا تخرج في عنصرها وجوهرها عن تفنيد المعارضة وتأييد المعاهدة وتمجيد الزعيم.

لا أكذِبُ الله، كانت الحجج كثيراً ما تسقط إعياء في حَلْبة الجدل، ولكن

تهافتها كان يرجع إلى ضعف المدافع لا إلى ضعف القضية؛ وكان

الغالب على منطق السواد من وفود البلاد الإيمان الثابت برأي الوفد،

أو الإذعان المريح لحكم الواقع. فهم بقولون مالنا ولجدال المحامين

بمواد القوانين وآراء العلماء ونصوص الكتب؟ إن الوفد لم نجرب عليه

تدليسا في رأي، ولا تفريطاً في حق، ولا توريطاً في باطل، وقد مضى

في ضمان الوحدة والخبرة ففاوض، واطمأن على سلامة الحق والعدالة

فعاهد؛ فإذا قال لنا هذا هو الاستقلال الذي استنفدتم إليه الجهود

والوسائل، وأرخصتم فيه الأموال والمهج، كنا أحرياء أن نقبل عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>