بالسمع، ونخلد إليه بالثقة. ثم تبلغ الثقة الراجحة حد اليقين المحض إذا
عارض هذا القول من نستريب بسياسته ونستوحش من ناحيته. كذلك
يقولون إذا أخرجهم نشاط الحديث. من التسليم الأعمى إلى التدليل
البصير: لا جدال في أن المعاهدة محت الاحتلال وأثبتت الاستقلال
وفتحت السودان، وحطت عن كاهلك امتياز الأجنبي، وأذهبت عن
ضميرك رجس الهون، وجعلتك مطلق السيادة حر الإرادة تحت سمائك
وفوق أرضك؛ فإذا توخينا وجوه الإصلاح الداخلي ونحن على هذه
الحال الجديدة من حرية الرأي والعزيمة والعمل، وبذلنا في سبيله ما
كنا نبذل في سبيل الاستقلال من نقود وجهود وتضحية وزمن، جرينا
من سُبل التقدم إلى أبعد الغايات في أيسر كلفة وأقصر مدة.
كان اسم النحاس ولفظ المعاهدة هتاف المظاهرات وموضوع الخطب وحديث الأندية في الاسكندرية، ذلك لأنهما كلمتان استوعبتا أحفل وأنبل العواطف وأجمل الذكريات من جهادنا المجيد. فالنحاس اسم يشمل الزعامة والوطنية والوفد، ويتضمن أسماء عرابي ومصطفى وسعد، ثم يستغرق كذلك أسماء مكرم والنقراشي وماهر؛ والمعاهدة لفظ يتناول مدلوله أهوال الثورة التي بذرتها، ودماء الشباب التي أسقتها، وأشلاء الضحايا التي غذتها، وجهود الإبطال التي تعهدتها ثم جنتها؛ ثم يشمل كذلك ما قر في أذهاننا من معاني الحرية، وشاع في نفوسنا من مشاعر المجد، وحصل في أيدينا من وسائل السيادة، وامتد في خيالنا من حدود الأمل.
ما أجمل الإسكندرية اليوم! لقد أصبحت خالصة المصرية حتى في الطبيعة والمظهر! الجو راكد الريح زاهق الأنفاس كأنه طلعة المختنق، والبحر راقد الموج مصقول الأديم كأنه صفحة المرآة؛ فلا العباب زاخر يبعث الروعة في القلب الشاعر، ولا النسيم نديٌّ ينضح بالنعيم الجسد المحرور؛ ومع ذلك نراها أقرب ما كانت إلى القلب، وأروع ما تكون في