في مثل هذا الشهر (مايو) من عام ١٩٠٢، فجع الأدب العربي بوفاة الأديبة الكبيرة عائشة عصمت تيمور، التي جدّدت في العصر الحديث عهد ربات الخدور بالأدب، وساهمت في النهضة النسائية العصرية بنصيب وافر وقسط عظيم
وهي تم إلى الدوحة التيمورية الكريمة التي منحت العربية ما لم تمنحه أية أسرة مصرية أخرى، لغويين وشعراء، وكتاب، وقصصيين، نهضوا بلغة الضاد وآدابها نهضة جبارة، وسعوا لرفعهما إلى مصاف سائر اللغات والآداب الراقية سعياً يبعث على التقدير والإعجاب
فالسيدة عائشة هي كريمة رب السيف والقلم إسماعيل باشا تيمور، وشقيقه اللغوي القدير أحمد باشا تيمور، وعمه القصصي الأستاذ محمود تيمور الذي يعد بحق خير خلف لخير سلف
وقد ولدت في مدينة القاهرة سنة ١٢٥٦ هجرية الموافقة لسنة ١٨٤٠ ميلادية، وأبدت منذ نعومة أظفارها ميلاً قوياً للدراسة، وشغفاً عظيما بالمطالعة، فتعلمت العربية، والتركية، والفارسية، وأجادت الكتابة والنظم في كل منها إجادة غير يسيرة؛ إلا أن والدتها حاولت صرفها عن الأدب إلى التطريز والنسج، ولكن بدون جدوى، فنشأ عن ذلك نزاع بينهما، وصفته عائشة في مواضع مختلفة من مؤلفاتها:
(لما تهيأ العقل للترقي، وبلغ الفهم درجة التلقي، تقدمت إليَّ ربة الحنان والعفاف، وذخيرة المعرفة والإتحاف، والدتي تغمدها الله بالرحمة والغفران، بأدوات التّطريز والنسيج، وصارت تجد في تعليمي، وتجتهد في تفطيني وتفهيمي، وأنا لا أستطيع التلقي، ولا أقبل في حرفة النساء الترقي، وكنت أفر منها فرار الصيد من الشباك، وأتهافت على حضور محافل الكتاب بدون ارتباك، فأجد صرير القلم في القرطاس أشهى نفحة، وأتحقق أن اللحاق بهذه الطائفة أوفى نعمة، وكنت ألتمس من شوقي قطع القراطيس، وصغار الأقلام، وأعتكف منفردة عن الأنام، وأقلد الكتاب في التحرير، لأبتهج بسماع هذا الصرير، فتأتي والدتي