للأستاذ سلامة موسى في مصر مدرسة عرف تلاميذها بالدؤوب والنشاط الذهني، وهم جميعاً من الشباب المثقف المتشوّف دائماً لمستقبل حافل مليء بالأماني والآمال والأحلام. وهم دائما يفخرون بأنهم يمثلون ثقافة اليسار في مصر خاصة والشرق عامة، ومن هنا نزوعهم إلى الثورة في تفكيرهم، ومن هنا أيضاً تبرمهم بثقافة اليمين وتحرشهم بزعماء مدارسها. ونحن لا يسعنا إلا أن نمتدح تلاميذ هذه المدرسة بالرغم مما يتورط فيه بعضهم من البذاء والتطاول، وبالرغم من أن الأستاذ سلامة نفسه يفسح في مجلته لهذا البعض من السفهاء مجالاً واسعاً يهرجون فيه تهريجاً لا يتفق ومقام الأستاذ ومكانته الرفيعة في نهضة هذا البلد.
بيد أن للأستاذ تلاميذ بارزين، استطاعوا بعد كفاح عظيم وجهد متصل أن يفسحوا لأسمائهم أماكن ظاهرة في محيط التفكير المصري. ولعل من أفضل هؤلاء التلاميذ لأستاذ المفكر المطلع صديقنا (نقولا يوسف) الذي أخذ نجمه يتألق في السياسة الأسبوعية، ثم في عشرات من المجلات والصحف والأندية، عُرف فيها جميعاً بسمو الغاية في تفكيره وحرارته الوطنية في حبه لمصر، ومحاولته دائماً الاندماج في الأوساط المختلفة ليترك فيها خمائر من ذهنه الخصب وثقافته الواسعة واطلاعه الشامل.
ولقد بدا للأستاذ الصديق أن يجمع كل ما كتب، ويصدره في مجلد حافل غني (عن دار المجلة الجديدة) وكتب إلي يسألني عن رأيي في كتابه هذا. . . ولا أحسب في ذلك توريطاً لي من قلمه البارع يجعلني أثني على عمله الثناء كله من دون أن أعرض لبعض نواحي الكتاب بنقد شديد يكاد يشبه الذم.
جمع الأستاذ فصوله القيمة وجعلها في ثلاثة أبواب، أولها (بحوث عالمية) من مثل (فن الحياة، الإنسانية بين الحرب والسلم، في الوحدة العالمية، في الأدب الجديد. . . الخ).