في قطعة تعد من اجمل نماذج النثر الإنجليزي يصف الأستاذ السير جيمس فريزر العادة الغربية التي كانت متبعة في تولية القسس الحاكمين بغاب ديانا القريب من موقع مدينة لارتشيا الحالية بإيطاليا:(فمن يوم إلى يوم، ومن عام إلى عام، في الحر وفي البرد، وفي الصحو وفي المطر، يخرج القسيس من المعبد حذرا يترقب ويجوب الغابة، والسيف مشهور في يده، وأن أغفى إغفاءة فقد يكون ثمنها حياته ويتولى من قتله الحكم مكانه.)
ذلك نوع من النجاح بعد به عنا الزمن، وأنكرته المدنية حتى في عهدها القديم (فإني اذكر وأنا اكتب الآن إن الإمبراطور كراكرا كان هو الذي ابطل قانون الغابة الذي سلف وصفه) لما تنطوي عليه فكرته من تغليب محض القوة أو الخديعة على كل اعتبار آخر وإباحة التخلص من وجود المنافس كلية بقتله، وقد يكون المقتول انفع لقومه من القاتل، فضلا عن أن لا حياة لمجتمع ما إلا بالتواضع على حد أدنى من الأمن على النفس والمال وما يتصل بهاتين الغايتين من أفكار أدبية ونظم قانونية.
وما زالت معايير النجاح تتغير تبعا لاختلاف الجماعات والعصور حتى أتى هذا القرن وأوضح صفاته وصول التنافس الاقتصادي فيه إلى اشده سواء بين الأفراد أو الأمم، وفي هذه الحالة ما فيها من خطر على المدينة يكاد يرجع بها إلى عهد التناحر الأول، وما استمرار الحرب الهجومية إلى هذا الوقت إلا نذير بما تستهدف له العلاقات الدولية من عودة الإنسان فيها إلى حكم غرائزه البحتة.
نترك هذا الجانب الدولي من الموضوع، فليس هو المقصود ببحثنا الآن فضلا عن مساسه بمسائل هي أدق بكثير مما يتناوله البحث في تنافس الأفراد.
والآن فما مقياس النجاح في عصر الاقتصاد؟ إن اسهل جواب على ذلك القول بأنه هو النجاح المشتق من روح العصر. أي النجاح في الماديات، واسهل جواب ليس هو دائماً فصل الخطاب، بل إن الأمر ليحتاج لنظر أدق وتفكير كثير، فقد كان التنافس في الماضي نضالا بين اثنين أو أكثر يفوز فيه أحسنهم مواهب أو فرصا، فتحول الآن إلى جهاد للتخلص مما أحاط به هذا العصر بنيه من صعوبات نشأت عن انتشار الديموقراطية من