كان لتولية الدكتور طه حسين بك وزارة المعارف موقع خاص في النفوس، وهو موقع الارتياح والغبطة، ويرجع ذلك إلى منزلته الممتازة لدى الخاصة والعامة، لأنه كاتب إنساني ذو رسالة إصلاحية محددة، فهو فنان ومصلح، وكلا الصفعتين محبوب، وقد اجتمعتا فيه، وتفاعل مزجهما في نفسه، فصار رجلا أريحيا خيرا، قويا بالأريحية والخير، يحس بقوته فيندفع إلى الجرأة والحرية في كتاباته وتصرفاته.
فلم يكن غريباً أن تعم الفرحة به إذ يتولى الوزارة، وقد انهالت عليه بطبيعة لحال - سيول التهاني من الجماعات والأفراد، ولست أرى بدا من ترديد المعنى القديم المكرر، وهو أن مثل الدكتور طه حسين أو هو بالذات لا يهنأ بمنصب ماء وإنما يهنأ المنصب به، وما أبالي إن أديت ما أريد، أن يكون المعنى معادا أو طريفا، فقد تعلمنا من العميد الكبير أن نركب التعبير إلى ما نقصد. (لم يكسب الدكتور طه حسين جديدا بتوليه الوزارة، وكل ما هنالك أنه جمع المنصب إلى مجده الأدبي الخالد، وليس المنصب الزائل بشيء إلى جانب المجد الباقي على الزمن. وهنا أتبين في نفسي السر الذي حدا بي منذ أول هذه الكلمة حتى الآن في تجنب الديباجة الرسمية التي تنسب فيها (المعالي) إلى الوزراء، في الحديث عن طه حسين.
إذن لا أهنئ الدكتور طه حسين بولايته وزارة المعارف، وإنما نهنئ أنفسنا. . نعم نهنئ أنفسنا بما ننتظره من خير على يده، ولا يفوتنا أن نتصور ما يلقاه هو من عناء لا تذهب به مظاهر الوزارة وجاهها من نفس كبيرة كنفس طه حسين. والخير الذي ننتظره أن يتحقق على يده خير عام يكاد الناس يرونه محققاً من الآن. . .
طه حسين الكاتب الذي يغلف مراميه لخير هذا الشعب بغلاف من الفن الممتع الجذاب، يتولى وزارة المعارف، فلهذا يفرح الناس به ويرجون أن يحقق ما يدعو إليه دائما وما كان يتحدث به فيرجو أن يسمعه ولاة الأمر، وها قد أصبح هو ممن بيدهم الأمر، وقد عهده الناس في عهده السابق بوزارة المعارف بادئا بما يبتغي من الخير مصمماً فيه ثم حالت الظروف دون السير في الطريق إلى نهايته.