للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٠ - محاورات أفلاطون]

الحوار الثالث

فيدون أو خلود الروح

ترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود

تساءل سيبيس: فيم قولك إن الإنسان لا ينبغي أن يستل حياته، وأنه يجب على الفيلسوف أن يُعدَّ نفسه ليلحق بالموتى؟

فأجاب سقراط: إنكما يا سيبيس وسمياس، تعرفان فيلولاوس فهلا سمعتماه قط يتحدث عن هذا؟

إني يا سقراط لم أفهم قوله أبداً

ليست كلماتي كذلك إلا صدى، ولكني شديد الرغبة في أن اروي ما سمعته، فالحق أني مادمت مرتحلاً إلى غير هذا المكان فيجب ألا يُشْغَلَ الفكرُ ويدور الحديث إلا حول هذا الرجل الذي أوشك أن أقوم به، وماذا عساي أن أفعل خيراً من هذا منذ الآن إلى أن تغرب الشمس؟

إذن فحدثني يا سقراط، لماذا استقر الرأي على ألا يكون الانتحار حقاً مشروعاً؟ لقد سمعت فيلولاوس يقيناً يؤكد ذلك عندما كان يمكث بيننا في طيبة؛ وثم أناس آخرون يقولون مثل هذا القول، ولو أن أحداً منهم لم يستطع قط أن يفهمني ما يقول

فأجاب سقراط. ولكنك يجب أن تحاول الفهم ما استطعت، ولابد أن يأتي اليوم الذي تفهم فيه، أحسبك تعجب لماذا تشذ هذه الحالة وحدها، ومعظم الشرور قد تجيء بالخير عرضاً (لأنه أليس من الجائز أن يكون الموت كذلك أفضل من الحياة في بعض الظروف؟) وإذا كان خيراً للإنسان أن يموت، فما الذي يمنع أن يقدم لنفسه الخير بنفسه؛ ألزامٌ عليه أن ينتظر من غيره يد الإحسان؟

فقال سيبيس ضاحكاً في لغته الدُّورية القومية: أي وحق جوبتر!

فأجاب سقراط - إني أُسلّم بأن في هذا تناقضاً ظاهراً، ولكن قد لا يكون هذا التناقض حقيقياً، هناك مذهب جرت به الألسنة في الخفاء بأن الإنسان سجين، وليس له الحق في أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>